مواقف وأنشطة

رؤية لجنة القضاء والعدل بجبهة إنقاذ الثورة لاستقلال القضاء اليمني وفقا للمعايير الدولية

يمنات – خاص

"يمنات" ينفرد بنشر رؤية قدمتها لجنة القضاء والعدل بجبهة إنقاذ الثورة السلمية، ووزعت في المؤتمر الصحفي لإشهار اللجنة الذي أقيم في فندق ايجل

القضاء الذي نريد

رؤية مختصرة لاستقلال القضاء اليمني وفقاً للمعايير الدولية

 

اعداد القاضي/ عبد الوهاب محمد قطران

مراجعة المحامي/ أحمد على الوادعي

 

 التشريعية نظم احكامها في اكثر من اربعين مادة وخصص الفصل الثاني من نفس الباب للسلطة التنفيذية نظم احكامها في  45مادة والفصل الثالث خصصه للسلطة القضائية ونظم احكامها في 6 مواد ليس الا.

حيث رأى المشرع ان ست مواد تكفي لتنظيم السلطة القضائية في الدولة الامر الذي يتبين منه ان السلطة القضائية قد نالت من المواد الدستورية لتنظيمها اقل من السلطتين الاخريين.

وتستفتح المواد الدستورية الخاصة بالسلطة القضائية ببيان ان القضاء سلطة مستقلة والنيابة العامة هيئة من هيئاته حيث

تقضي المادة (149) من الدستور بأن : {القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً والنيابة العامة هيئة من هيئاته ، وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم } الا ان القضاء والقضاة ظل وضعهما متدنياً كما ان دورهما غير الهام في ذاك النظام ،الذي كرس معاملتهم بصفتهم موظفين يؤدون وظائف كتابية ،ومن أبرز مؤشرات الوضع المتدني للقضاء إبعاده عن الرقابة القضائية على ممارسات القوى السياسية ، ويظهر ذلك جليا فيما يلي   :

أ ) النص على مبدأ استقلال القضاء في آخر الباب الثالث في الفصل الخاص بالقضاء ، وكأن استقلال القضاء والقضاة شأن خاص بهم ، وليس من أهم شئون الأمة كلها .

ب) أن آخر تعديل للدستور – في 2001م – قد شمل المادة (158) السالف ذكرها والخاصة بـ"أصول تعديل الدستور" ، بجعل تعديل بعض النصوص – أو أكثرها – لا يتم إلا بالاستفتاء ، ومنها ما لايحتاج لاستفتاء ومن ذلك جميع مواد الفصل الخاص بالقضاء .

ج) رغم النص أعلاه ورغم أن الدستور صريح في اعتبار القضاء سلطة من سلطات الدولة إلا أن ذلك مجرد كلام وتزيين للدستور ليس إلا ، بدليل أن القضاء يعامل كتابع للسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل ، فنصوص القانون رقم (1) لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية يقرر تبعية القضاة – في المحاكم الابتدائية والاستئنافية – ماليا وإداريا لوزير العدل ، كما تتبعه وبنص القانون هيئة التفتيش القضائي . وغير خاف أن هذا أول قانون أساسي صدر عقب الوحدة المباركة وبموافقة ومباركة جميع القوى السياسة الموجودة في الساحة والمشاركة في السلطة آنذاك . ليس ذلك فحسب بل إن لمجلس الوزراء – من الأمور الهامة المتعلقة بالقضاء والقضاة – ما ليس لمجلس القضاء الأعلى ، ومن ذلك :

1.     أن مجلس القضاء الأعلى لا يملك أن يتخذ أي قرار بشأن استحقاقات القضاة المالية ، فذلك منوط بمجلس الوزراء بنص المادة (67) من قانون السلطة القضائية التي تصرّح بأنه : { تحدد المرتبات والبدلات لأعضاء السلطة القضائية وفقا للجدول الملحق بهذا القانون ، ويجوز بقرار من رئيس الوزراء بناء على عرض وزير العدل منح بدلات أخرى لأعضاء السلطة القضائية غير ما ورد بهذا القانون } .

ولم تكتف السلطة التنفيذية بذلك بل قامت بمخالفة القانون بخفة وجسارة حيث اصدر رئيس الوزراء بناء على عرض من وزير العدل جدولا يحدد مرتبات اعضاء السلطة القضائية في عام2000م مستحدثا بموجبه درجات قضائية لم ينص عليها قانون السلطة القضائية ،وهي درجتي نائب رئيس استئناف ورئيس محكمة استئناف في حين ان المادة (58)من قانون السلطة القضائية قد حددت وظائف السلطة القضائية على سبيل الحصر ولم تذكر تلك الدرجتين، فكيف تجرأت السلطة التنفيذية لتعديل القانون بقرار اداري ؛؛؛؛واستحدثت درجات قضائية ما انزل الله بها من سلطان،

2.     كما لا يملك مجلس القضاء الأعلى تقديم مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء أو حتى تعديلها – بما في ذلك قانون السلطة القضائية – وإنما يتم تقديم ذلك عن طريق الحكومة أصلا أو عن طريق أي من أعضاء البرلمان استثناء . إعمالا لنص المادة (85) من الدستور .

3.     كما أن اجتماعات مجلس القضاء الأعلى لا تكون صحيحة إلا بحضور وزير العدل ، ولو حضر رئيس وأعضاء المجلس جميعهم . وهذا ما تقرره صراحة المادة (106) من قانون السلطة القضائية .

ما سلف ليس إلا غيض من فيض ، فهل من معنىً بَعْدُ لاستقلال القضاء .

د ) تقضي المادة (150) بأن : {القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها كما يحدد الشروط الـواجب توفرها في من يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات

الأخرى الخاصة بهم ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال} . هذا النص يقرر صراحة وحدة القضاء اليمني – أي الأخذ بنظام القضاء الموحد – باعتبار أن هذا النظام موافق للأصل الشرعي ، لهذا حظر الدستور إنشاء محاكم استثنائية {بأي حال من الأحوال} . هذا ما تعاقدت عليه الأمة وارتضاه الشعب باستفتائه على الدستور ، بيد أن المقنن قد خرج عن مبدأ وحدة القضاء اليمني بنصوص دستورية وقانونية ، منها :

1.     المادة (68) من الدستور التي تمنح مجلس النواب ولاية قضائية للفصل في المنازعات المتعلقة بصحة العضوية فيه . بزعم أن "المجلس سيد قراره" . وستأتي مناقشة أوجه الخلل في ذلك النص لاحقا . وقد كان من ثمار "ثورة 25 يناير" في مصر إلغاء النص المثيل لهذا النص من دستورها.

2.     المادة (153/د) من الدستور التي تجعل المحكمة العليا مختصة بـ{محاكمة رئيس الجمهورية ونائب الرئيس ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وفقاً للقانون} . أما عبارة : "وفقا للقانون" فقد كانت ذريعة لإصدار قانون خاص بمحاكمة هؤلاء ، هو القانون رقم (6) لسنة 1995م . بشأن محاكمة شاغلي الوظائف  العليا

3.     المادة (8/ب) من قانون السلطة القضائية ؛ فبعد أن أوردت الحظر الدستوري بعدم إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال ، أضاف إلى النص فقرة (ب) تنص على أنّه { يجوز بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناء على اقتراح وزير العدل إنشاء محاكم قضائية ابتدائية متخصصة في المحافظات متى دعت الحاجة إلى ذلك وفقا للقوانين النافذة} . فالمقنن بهذه الفقرة قد خرق الحظر الدستوري مستثنيا "المحاكم الاستثنائية" المسماة بالمحاكم الخاصة ، وقد ترتب على هذا الخرق الدستوري وجود أقضية خاصة( ) ومحاكم خاصة( ) . أمّا محاولة تجاوز هذا الحظر بتسمية المحاكم الاستثنائية  با "المتخصصة" فلا يُضفي عليها الشرعية ، أو يُخرجها من كونها محاكم مستثناة من الأصل العام المقرر دستوريا . فإنشاء محاكم خاصة لنظر منازعات بعينها يترتب عليه تمييز بعض شرائح المجتمع عن غيرها أو الإضرار بشريحة دون غيرها . وإذا كان ثمة محاكم وأقضية خاصة في بعض دول العالم ، فهي الدول ذات القضاء المزدوج ، وحتى في هذه الدول فإن إنشاء كل صنف يتم بقانون خاص ، أما في اليمن فإن المقنن قد تنازل عن هذا الدور تاركا إيّاه لغيره!!! (وزير العدل ومجلس القضاء) ، ويُعدُّ هذا تفويضا تشريعيا ، وأمر كهذا لا يملكه المقنن ؛ إذ أن إنشاء المحاكم من مهام المقنن الأصيلة ، وهذا ما يقرره النص الدستوري أعلاه بقوله : {ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها} ، وبهذا التفويض التشريعي لم يعد ثمّة معنى لمبدأ الفصل بين السلطات أو مبدأ الرقابة المتبادلة بينها . إذ بهذا التفويض لجهة الإدارة في تحديد اختصاص المحاكم صارت المحاكم الخاصة في اليمن (ذات القضاء الواحد) أكثر بكثير من غيرها من الدول (ذات القضاء المزدوج) ، فلا يوجد – ولم يسبق – تشتيت وتمزيق القضاء على هذا النحو في أي مكان أو زمان( ) .

4- المادة (100/1) من قانون تنظيم مهنة المحاماة الذي جعل الاختصاص بنظر دعاوى إلغاء قرارات الجمعية العمومية للنقابة ومجلس النقابة أمام المحكمة العليا مباشرة . وكذلك الحال في قانون الجامعات فقد جعل المحكمة العليا هي المختصة بدعاوى إلغاء قرارات مجلس الجامعة بفصل أعضاء هيئة التدريس(مادة 46). فنصوص كهذه تتضمن مخالفة صريحة للنظام العام فهي تميز هذه الجهات عن غيرها ، وتفوت على المدعي (الطرف الضعيف) درجتي التقاضي ابتداء واستئنافا . وبهذا يفقد المحكوم عليه أهم ضمانات التقاضي .  فلا يستساغ أن يحرم الموظف في الجامعة من اللجوء إلى المحاكم العادية كغيره من الموظفين والحال على العكس من ذلك يجبر على اللجوء مباشرة إلى المحكمة العليا . وكذلك الحال بالنسبة للمحامين وهم مواطنون شأنهم شأن غيرهم .

هـ) تنص المادة (68) على أن : { يختص مجلس النواب بالفصل في صحة عضوية أعضائه ويجب إحالة الطعن إلى المحكمة العليا خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسليمه للمجلس وتعرض نتيجة التحقيق بالرأي الذي انتهت إليه المحكمة على مجلس النواب للفصل في صحة الطعن خلال ستين يوماً من تاريخ استلام نتيجة التحقيق من المحكمة، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ، ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوماً من تاريخ إحالته إلى المحكمة } .

إن نص هذه المادة يُعطي السلطة التشريعية صفة قضائية بمنحها صلاحية الفصل في المنازعات المتعلقة بصحة عضوية البرلمان من عدمها ، وهذا يتعارض مع عدد من أهم مبادئ الدستور الأساسية ، لما يلي:

1.     إن عموم ولاية القضاء اليمني ؛ وهو مبدأ أساسي قرره الدستور بقوله : { تتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم} (مادة 149) . فهذا النص عام لم يخصصه الدستور بأي استثناء أو قيد ؛ إعمالا للأصل الشرعي . كما أن المنطق وطبيعة الأشياء تقتضي عموم النص ؛ فالفصل في المنازعات يمثل المهمة الوحيدة للقضاء ، لهذا فهي اختصاص دستوري أصيل . ومن هذا المنطلق يجمع فقهاء القانون الدستوري على أن : السلطة القضائية سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته ، وقد أناط بها الدستور أمر العدالة – عن طريق فض المنازعات – مستقلة عن باقي السلطات . ومِن ثَمَّ لا يجوز للمقنن إهدار ولاية تلك السلطة كليا أو جزئيا . أي أنّه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية تقييد ولاية السلطة القضائية أو الحد منها بأي شكل وتحت أي مسّمى . واعتبار القضاء سلطة مستقلّة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية هو ما أخذ به الدستور اليمني بإفراده فصلا مستقلا من فصول الباب الثالث شأنه شأن بقية السلطات . وبالتالي فمنازعة السلطة التشريعية – طريق هذه المادة – للسلطة القضائية في اختصاصها في الفصل في المنازعات يمثل مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلطات .( )

2.     إن إطلاق ولاية القضاء في فض جميع المنازعات دون استثناء ، ليس مقصودا به القضاء ذاته فحسب ، بل والمتقاضون أنفسهم ؛ إعمالا لمبدأ حق التقاضي ؛ أي حق جميع المواطنين اللجوء إلى القضاء تطبيقا لنص المادة (51) من الدستور . ولاشك أن المقصود هنا هو القضاء الطبيعي ، وبالتالي فالنص على اختصاص البرلمان بهذا الصنف من المنازعات يمنح البرلمان صفة قضائية يعني إجبار المواطنين على اللجوء إلى جهة أخرى غير جهة القضاء العادي .

3.     لمّا كان الدستور يقضي بأن عضو البرلمان يمثل الشعب بكامله (مادة 75)  ، فقد أجاز القانون لكل مواطن – ناخبا كان أو مرشحا – أن يطعن في صحة عضوية أي من أعضاء البرلمان (مادة 115 انتخابات) . وهذا تطبيق رائع لمبدأ حق المواطنين في اللجوء للقضاء ، بيد أنّ قانون الانتخابات – وعملا بالمادة (68) التي نحن بصددها –  خرج عن كل ما أسلفناه من مبادئ بنصه على اللجوء إلى مجلس النواب طلبا للعدالة مع إيداع ضمان مالي قدره خمسون ألف ريال …" ، مميّزا أعضاء البرلمان عن غيرهم من مواطني الأمة ، وهذا يمثل إخلالا ظاهرا بمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات (مادة 41 دستور) .

4.     إن حرمان المواطن من حقه في التقاضي أمام القضاء وإرغامه – بهذا النص – للجوء للبرلمان  لا يقتصر على مخالفة ما سلف من مبادئ دستورية بل خالف أيضا أصلا من الأصول الشرعية جاعلا البرلمان خصما وحكما في آن. فهو دون غيره الذي يقرر صحة عضوية أفراده .

5.     قد يقال : إن هذا من قبيل الفصل بين السلطات ، فنقول : إن مبدأ الفصل لا يعني أن تبقى كل سلطة بمنأى عن غيرها ، فهي ليست صاحبة السلطة وبالتالي لا تمثل نفسها ، فالسلطة ملك للشعب وهو يمارسها عبر مؤسسات الدولة

 (مادة 4 من الدستور) لذلك ولئلا تتسلط أيّ منها في ممارسة مهامها الدستورية كان لابد من الرقابة المتبادلة بين كل منها . فكيف تتحقق هذه الرقابة إذا كانت المؤسسة التشريعية تمارس في نفس الوقت مهام المؤسسة القضائية في مسألة من أهم المسائل وهي حق الاعتراض على صحة عضوية شخص في البرلمان؟ 

6.     على أن ترك الفصل في هذه المنازعة للقضاء – وفقا للأسس العامة للدستور – لا يمثل أي تدخل في أعمال السلطة التشريعية ؛ فشأن هذه المنازعة شأن غيرها من المنازعات ؛ فمحل الطعن هنا هو قرار اللجنة العليا للانتخابات وهو قرار إداري صادر عن جهة لا تتبع – قانونا – أي سلطة من السلطات الثلاث ، وبالتالي فالحكم بصحة العضوية من عدمه يجب أن يصدر من السلطة المختصة دستوريا بالفصل في المنازعات وهي القضاء لا من البرلمان . فإذا حكم القضاء بصحة عضويته فبها ونعمت وإلا حل محله عضو آخر ، فهل في هذا اساءة للبرلمان ؟ أم أنّ المراد شخص بعينه ؟

و ) تقضي المادة (82) من الدستور بأنّه : { لا يجوز أن يتخذ نحو عضو مجلس النواب أي إجراء من إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي إلا بإذن من مجلس النواب ما عدا حالة التلبس ، وفي هذه الحالة يجب إخطار المجلس فوراً، وعلى المجلس أن يتأكد من سلامة الإجراءات ، وفي غير دورة انعقاد المجلس يتعين الحصول على إذن من هيئة الرئاسة ، ويخطر المجلس عند أول انعقاد لاحق له بما اتخذ من إجراءات } . فعبارة : "وعلى المجلس أن يتأكد من سلامة الإجراءات" ؛ عطلت كثيرا من النصوص والأحكام الدستورية والقانونية منها :

•       نص هذه المادة وجميع النصوص القانوينة المتعلقة برفع الحصانة ؛ فلن يتم تطبيق أحكام الإذن ولا رفع الحصانة ولا غيرها من أحكام قانونية – شرعها البرلمان – في أي حالة من حالات التلبس . لأن النص لم يبين الأثر المترتب على قيام المجلس بالتأكد من سلامة الإجراءات ، وبهذا تم تعطيل أعمال الجهات المختصة ليس في المؤسسة التنفيذية فحسب بل وفي القضائية أيضا . إذ يجب اللجوء للقضاء في حالة تجاوز جهات الضبط لاختصاصاتها بالطعن في سلامة الإجراءات . وكما هو ظاهر فإنّ الشك في استقلال القضاء كان وراء وضع هذه العبارة ، التي عطلت دور القضاء تماما في هذه الأحوال . وكان الأولى تفعيل مبدأ استقلال القضاء المقرر دستوريا بإخراج السلطة التنفيذية – ممثلة بوزارة العدل والنيابة العامة – من إطار السلطة القضائية . عندئذ لن يبقى لوجود هذه العبارة مبرر ( )

•       والحق أن مثل هذه العبارة خرجت عن مقاصد الدستور فهي تحصن عضو البرلمان عن أي مساءلة حتى في أحوال الجريمة المشهودة ، وهي ايضاً تمنع تحريك الدعوى الجزائية في هذا المثل حتى وإن ترتب على جريمته إهدار دم الغير.

•       إنها تجعل من البرلمان خصما وحكما في ذات الوقت .

•       وهي ايضاً تخالف مبدأ الرقابة المتبادلة بين مؤسسات الدولة الدستورية . ولا وجود لمثلها – فيما اعلم – في أي من دساتير دول العالم ، وهو أمر طبيعي ومنطقي فلا يستساغ أن يستغل البرلمان سلطته التشريعية فيحرص على فصل سلطته في مقابل إهدار السلطات الأخرى . ولا يخفى ما تسببت به هذه العبارة من أزمة دستورية بين مؤسسات الدولة في قضية مشهورة.

ويتضح من هذه النصوص – وغيرها – أنه تم إهدار أهم المبادئ والقواعد الدستورية العامة المتمثلة في وحدة القضاء اليمني (مادة 150) ، واستقلال القضاء (مادة 150) ، وقبل هذا وذاك تم فيها الإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات (مادة 41) ، ومبدأ حق المواطن اليمني  في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي (مادة 51) أي المتمثل في المحاكم العادية . ويجب التنويه أن أي من القوى السياسية – في السلطة والمعارضة – لا تلجأ إلى القضاء ، مفضلة الحلول السياسية في مثل هذه الامور ، لهذا وصلت الأمور إلى ما نحن فيه اليوم .

وكما ان النص الدستوري 149 المتعلق باستقلال القضاء قد افرغ من مضامينه بسبب عدم تواؤم قانون السلطة القضائية مع هذا النص الدستوري ،الذي يمنح السلطة التنفيذية حق تعيين رئيس واعضاء المحكمة العليا ورئيس واعضاء مجلس القضاء فقد صدر قانون السلطة القضائية رقم (1)لسنة 1991 ،قبل الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية وفي ضوء ذلك اشارت بعض الاطراف السياسية الى عدم دستورية قانون السلطة القضائية بل ان وزارة العدل ذاتها لم تنف ذلك ( )  بل أن وزير العدل مرشد العرشاني اكد في مقابله له نشرتها صحيفة26سبتمبران قانون السلطة القضائية غير دستوري

كما قال ان وزارة العدل حتى الان بحسب قانون السلطة القضائية مازالت هي الجسم الكبير داخل السلطة القضائية لان وزير العدل هو الذي يشرف على القضاة اداريا وماليا وقضائيا( )

ومما يؤكد ان قانون السلطة القضائية غير دستوري الاختصاصات التي منحها القانون لوزير العدل ممثل السلطة التنفيذية والتي تجعل من النص الدستوري الخاص باستقلال القضاء مجرد حبر على ورق لان النصوص الدستورية جاءت بطريقة عامة دون تفصيل ،واحالت الى نصوص القانون صلاحيات في العديد من الامور الهامة ،سيما تلك المتعلقة بتحديد ولاية وتنظيم الجهات القضائية ،والسلطة التشريعية عندما سنت قانون السلطة القضائية  خالفت حدود التفويض الدستوري بتنظيم الحق الى مصادرته وافراغه من محتواه الحقيقي( )

:ويستبين ذلك من عدم احترام مبدأ استقلال القضاء والقضاة: فالدستور صريح بأن " القضاء سلطة مستقلة قضائيا وماليا وإداريا… والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون". ليس ذلك فحسب بل جرَّمَ  الدستور المساس بهذا المبدأ بقوله: " ولا يجوز لأيّة جهة وبأيّة صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم" (مادة 149). والدستور إذ يقر مبادئ كهذه إنمّا يقصد توفير ضمانة للمجتمع لا القضاة كما يتوهم الكثيرون، وكما يشاع بين العامة بل والخاصة عن قصد أو عن غير قصد. لهذا نجد نصوص القانون بعيدة كل البعد عن المفهوم الدستوري للقضاء، ليأتي التطبيق فيزيد الطين بلّة. وصور الانتهاك لمبدأ استقلال القضاء – بشقيه المالي والإداري – أكثر من أن يتسعها المقام هنا؛ ولبيان مدى تسلط الحكومة – قضائيا وإداريا وماليا – على القضاء، نكتفي بمجرد السرد لأهم صلاحياتها وسلطاتها ممثلة في وزير العدل ومجلس الوزر( ):

       

أولا : ما يتعلق بالشأن القضائي:

نجد هنا أن من صلاحيات السلطة التنفيذية

1.     اقتراح إنشاء المحاكم الخاصة (المتخصصة) (مادة 8/ب) .

2.     اقتراح تحديد عدد المحاكم الابتدائية ومراكزها أو نطاق اختصاصها (مادة 45) .

3.     الترشيح للتعيين في جميع وظائف السلطة القضائية باستثناء رئيس وأعضاء المحكمة العليا ونائبيه وقضاة المحكمة (مادة 59).

4.     يتم التعيين رئيس ونواب وأعضاء المحكمة العليا بناء على ترشيح مجلس القضاء الأعلى من بين قائمة أسماء تتولى هيئة التفتيش القضائي إعدادها وهي جزء من السلطة التنفيذية (مادة 59)(  ).

5.     الترشيح للتعيين في جميع وظائف السلطة القضائية باستثناء رئيس ونواب وأعضاء المحكمة العليا (مادة 59).

6.     تعيين مساعدي القضاة (مادة 59)(  ).

7.     إعداد حركة تنقلات قضاة المحاكم الاستئنافية والعرض على رئيس الجمهورية لإصدار قرار جمهوري بها بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى (مادة 65/ب).

8.     ندب قضاة المحاكم الابتدائية من محكمة ابتدائية إلى أخرى، وندب قضاة محاكم الاستئناف من محكمة استئنافية إلى أخرى (مادة 65/و).

9.     تشكيل هيئة للتفتيش القضائي بندب رئيس الهيئة ونائبه وأعضائها (مادة 92).

10.   إصدار لائحة التفتيش القضائي التي يبين فيها القواعد والإجراءات المتعلقة بعمل الهيئة وإجراءات تحقيق الشكاوى والتصرف فيها طبقاً لأحكام هذا القانون، بموافقة مجلس القضاء الأعلى(مادة 95).

        ثانيا : ما يتعلق بالشأن الإداري:( )

والصلاحيات هنا هي:

1.     طلب إحالة القاضي للتقاعد إذا لم يستطع القيام بعمله بسبب المرض (مادة 78).

 2-  رفع الأمر إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى ليأذن باستمرار حبس القاضي أو يأمر بإخلاء سبيله بضمان أو بغير            ضمان عند القبض عليه في حالة التلبس (مادة 87).

3.     الإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم (مادة 89).

4.     تنبيه القضاة كتابة إلى كل ما يقع منهم من مخالفات لواجباتهم حول مقتضيات وظيفتهم (مادة 91).

5.     الإشراف الإداري والمالي على هيئة للتفتيش القضائي، كون الهيئة من ضمن تشكيلات وزارة العدل.

6.     تلقي نسخة خاصة من التقرير السري للتفتيش على أعمال القاضي (مادة 93، 97).

7.     يتلقى من هيئة التفتيش القضائي تظلمات القضاة من تقارير الكفاءة لإرسالها إلى مجلس القضاء الأعلى (مادة 99)(  ) .

8.     حق الاطلاع على الملف السري للقاضي (مادة 97) .

9.     طلب إقامة الدعاوى التأديبية على القضاة من قِبل هيئة التفتيش القضائي وموافقة مجلس القضاء الأعلى (مادة 111/2).

10.   عدم صحة انعقاد اجتماعات مجلس القضاء الأعلى إلا بحضورالوزير!!! (مادة 105).

11.   طلب إيقاف القاضي عن مباشرة أعمال وظيفته أثناء إجراءات التحقيق أو المحاسبة أو المحاكمة (مادة 118).

12.   لوزير العدل بالنسبة لموظفي الوزارة والمحاكم سلطات وزارة الخدمة المدنية بالنسبة لموظفي الجهاز الإداري للدولة (مادة 126).

ثالثا ما يتعلق بالشأن المالي:

1.     لمجلس الوزراء إصدار قرار بتعديل جدول مرتبات أعضاء السلطة القضائية الملحق بالقانون " وفقاً لما تقتضيه الضرورة لتحسين معيشة الموظفين العموميين"(  ) (مادة 67).

2.     لرئيس الوزراء إصدار قرار بمنح بدلات لأعضاء السلطة القضائية غير ما ورد بالقانون (مادة 67). أمّا ما ورد بالقانون منها فتحكمه القواعد التالية:

•       بدل طبيعة عمل أو بدل تحقيق بواقع 30 – 50 % من المرتب الأساسي. ويصدر بتنظيم منحه في إطار حدي هذه النسبة قرار من وزير العدل (مادة 68).

•       بدل ريف بواقع: 30 – 60 % من المرتب الأساسي. ويصدر بتنظيم منحه في إطار حدي هذه النسبة قرار من وزير العدل (مادة 69).

•       بدل سكن، ويصدر بتحديده قرار من وزير العدل (مادة 70).

•       العلاوات الدورية؛ وتمنح طبقا للنظام المقرر بالجدول الملحق بالقانون، ويصدر بها قرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى (مادة 72). 

هذه أمثلة للسلطات التي منحها القانون للحكومة، وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق. فأين المقنن من مبدأ استقلال القضاء والقضاة ماليا وإداريا!!؟

الفرع الثاني: استقلال القضاء في المواثيق الدولية والدساتير الحديثة

 

ومن المعلوم ان النظم القانونية الداخلية للدول (النظم الدستورية ) تتعدد الآراء الفقهية فيها حول الضمانات التي تعزز الحقوق والحريات .ولكنها في مجموعها تدور حول عدة ضمانات منها:

مبدا الفصل بين السلطات ،ومبدا الشرعية ،وازدواج مجلس البرلمان ورقابة الرأي العام وتلتقي حول القضاء المستقل باعتباره الحصن الحصين والوسيلة الفاعلة الهامة لحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية .فالقضاء والحقوق والحريات الاساسية للإنسان مرتبطان ارتباطا عضويا لا ينفصمان .إذ أن كل اعتداء على استقلال القضاء من قبل السلطات الحاكمة لابد ان يجد تمهيدا له في الاعتداء على حقوق وحريات المواطنين ،وان كل اعتداء على حقوق المواطنين وحرياتهم لابد بالضرورة أن يتضمن أوان يسبقه نيل من استقلال القضاء ( ) ،ولأهمية استقلال القضاء نجد ان المجتمع الدولي اعطى هذا الامر اهمية بالغة ،حيث نجد ان ميثاق الامم المتحدة والوثائق الدولية الصادرة عنها من اعلانات واتفاقيات وبروتكولات ،قد عنيت بمسالة الضمانات التي تعزز الحقوق والحريات الاساسية للإنسان ومنها النص على استقلال القضاء ويتبين  ذلك من النصوص التي وردت في ديباجة ميثاق الامم المتحدة والنظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية ،والاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقية الدولية (العهد )الدولي للحقوق الانسان المدنية والسياسية حيث يتضح بجلاء ان تأكيد شعوب الامم المتحدة في ديباجة الميثاق على الايمان بالحقوق الاساسية للإنسان وعلى بيان الاحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة تعني ان حقوق الانسان تعد جزءاً لايتجزأ من مفهوم العدل الذي يتخلل الميثاق ومن ثم يلزم بيان الاحوال اللازمة والمؤدية الى العدل بكل جوانبه . اذ ان الحق في الحياه والحرية والحق في محاكمة عادلة ،والحق في نظام قضائي نزيه ومستقل هي جميعها شروط اساسية لتحقيق العدالة ،ويتضح ايضا من نص المادة الثانية من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية ،الذي جاء بما نصه "تتكون هيئة المحكمة من قضاة مستقلين "ومن نص المادة العاشرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يقضي بأن"لكل انسان الحق على قدم المساواة في ان تنظر قضيته امام محكمة مستقلة ونزيهة نظراً عادلاً سواء كان للفصل في حقوقه او التزاماته او الاتهامات الجنائية الموجه اليه "،ومن نص المادة الرابعة عشر من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية على ان"جميع الاشخاص متساوون امام القضاء .ولكل فرد الحق عند النظر في اية تهمه جنائية ضده او في حقوقه والتزاماته في احدى القضايا القانونية ،في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا الى القانون" ، كما اكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته الرابعة عشرة على مبدأ حيادية واستقلال القضاء ، وقد اجتمعت لجنة من الخبراء بإيطاليا عام 1981م لوضع مشروع مبادئ حول استقلال القضاء ، وقد "نتج عنه الإعلان العالمي لاستقلال العدالة" الصادر عن مؤتمر مونتريال في كندا عام 1983م لكن أهم تلك المواثيق والإعلانات " المبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء" الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985م، والتي تعتبر الميثاق أو المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء حيث نصت في البند الأول " تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية" ( )، وبذلك أصبح مبدأ استقلال القضاء مبدأ دولياً مهما ويشكل التزاما على الدول كافة، واغلب دساتير العالم باتت تعلن مبدأ استقلال القضاء. و المادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والمادة (14) من العهد الدولي لحقوق الإنسان ، ذكر بان الضمان المؤسسي الاول للمحاكمة العادلة إن لا تصدر الأحكام عن مؤسسات سياسية ، بل بواسطة محاكم مختصة مستقلة محايدة مُشكَلة بحكم القانون، كما اكد على استقلال السلطة القضائية مشروع اعلان استقلال القضاء وحياد القضاة والمستشارين واستقلال المحامين المقدم الى الجمعية العامة للأمم المتحدة  عام 1988

ولعل المحور الرئيس لمعايير القضاء الحديث يتمثل في  معيار" استقلال القضاء "…؛وفقا للصك الصادر عن المؤتمر السابق ذكره المعتمد  بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 40/146المؤرخ 13 ديسمبر 1985م بشأن المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية ، حيث لأيمكن ان يتحقق ذلك المعيار الا من خلال اعمال عدد من المبادئ التي يمكن تقسيمها الى مجموعات ثلاث :

الأولى :ان تتولى المحاكم وظيفتها في تحقبق العدالة والانصاف دون اية قيود او تأثيرات او اغراءات او تهديدات او تدخلات وشمول ولايتها على جميع المسائل ذات الطابع القضائي ولايجوز التدخل في الاجراءات القضائية ولاتخضع احكام  القضاء لإعادة النظر من سلطة اخرى .

الثانية :ان توفر الدولة المعنية الموارد لتمكين السلطة القضائية من اداء مهامها بطريقة سليمة وتوفير الشروط الوظيفية والمادية لاستقلال القاضي بما يمنع خضوعه للغير ويحصنه من الحاجة إليهم وتوفير الأمن والطمأنينة له ،وكفال حرية القضاة في التعبير عن آرائهم وتكوين جمعياتهم المستقلة لحماية مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي .

الثالثة :تطبيق القضاء الاجراءات القانونية وحظر المحاكم الاستثنائية وضمان سير الإجراءات بعدالة واحترام حقوق الاطراف وضرورة توفر العلم بالقانون لدى القاضي وان يكون اختيار او تعيين القضاة من بين من يحملون مؤهلات مناسبة في القانون( )

الفرع الثالث: الضمانات الدستورية لاستقلال السلطة القضائية :

يقصد بالضمانات الدستورية لاستقلال القضاء أن يتضمن الدستور – باعتباره الوثيقة الأسمى – ،مقتضيات وأحكاماً تقر بالاستقلالية وتنص على الاليات الكفيلة باحترامها على صعيد الممارسة ،والحال أن قيمة هذا التنصيص في متن الوثائق الدستورية يكمن في المكانة السميقة التي يحظى بها الدستور في هرم القوانين ،كما تنبع من القيمة المتزايدة للشرعية الدستورية في النظم الديمقراطية المعاصرة .فإذا كانت الدساتير الحديثة قد اختلفت من حيث درجة تنصيصها الصريح على مصطلح (سلطة قضائية)( )فقد أولت أهمية خاصة للقضاء بكامل درجاته وفروعة،وشددت على استقلاله الوظيفي والعضوي ،ونصت على آليات من شأنها تعزيز هذه المكانة وصيانتها من كافة أوجه الضغط أو المساس او الأختراق ،التي قد تتعرض لها كسلطة .

ولا شك لدينا بأننا في اليمن بحاجة ماسة إلى وضع دستور جديد، يقوم علي أساس المعايير الدولية التي استقرت عليها الدول المتمدينة.

كما أن الحديث عن سيادة القانون والسلطة القضائية في الدستور ـ أي دستور ـ لا علاقة لها بالنظام السياسي الذي يقوم عليه سواء يتبني النظام الرئاسي أو النظام البرلماني أو مزج بينهما وسواء كانت الدولة بسيطة او مركبة،(اتحادية) إذ أن سيادة القانون أو استقلال السلطة القضائية ضمانة هامة للمواطنين والحكام يتعين الحفاظ عليها، فهي من المبادئ التي تعلو على الدساتير.

( )ويلعب التوافق حول وثيقة الدستور دوراً مركزيا في تهيئة المناخ بشأن وعي استراتيجية مبدأ استقلال القضاء وضمان احترامه .والتوافق حوله من حيث المشاركة في التفكير والصياغة ،أمر على درجة بالغة الاهمية والخطورة في آن. لذلك ليس صدفة أن تحظى السلطة القضائية في مجمل الدول التي جاءت دساتيرها نتيجة توافقات مجتمعية وسياسية بقدر كبير من الاستقلالية والاحترام ،خلافا لغيرها من النظم ،التي ضعفت المشاركة فيها او انعدمت فكانت دساتيرها ممنوحة آو نتيجة مشاركات شبه صورية( )

وهناك ظروف مواتية تقدم فرصا جيدة لتحقيق نجاحات واضحة بعد الاطاحة بنظام فاسد ،وعندما تعد  الحكومة الجديدة بإجراء تغييرات والحال ان الامثلة كثيرة عن التجارب التي انتقلت من وضع دستوري وسياسي مختل لصالح السلطة التنفيذية وهيمنة اجهزتها ،الى حالة جديدة استعاد القضاء خلالها قوامً استقلاله( )ولابد ان يتمكن اليمنيون الآن بعد حقبة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح (1978-2011م)من فك ارتباط مؤسستي البرلمان والقضاء بمؤسسة الرئاسة وادخال الاصلاحات اللازمة لا عادة الاعتبار الى القضاء عامة والقضاء الدستوري على وجه الخصوص، لان اليمن ستنتقل من وضع دستوري وسياسي مختل لصالح السلطة الرئاسية وهيمنتها ،الى حالة جديده لابد ان يستعيد القضاء خلالها قوام استقلاليته .

 فعلى الصعيد النظري نجد ان دستور الجمهورية اليمنية النافذ قد تضمن تنصيصاً صريحاً على مصطلح (سلطة قضائية )ونص على مبدا الاستقلال بشقيه الوظيفي والعضوي ،غير انه في الحالة اليمنية تعترض ذلك المبدأ جملة من المثبطات تحول بينه وبين الحالة المطلوبة من مفهوم استقلال القضاء ،من قبيل الفجوة الموجودة بين القانون والتطبيق النص والواقع وسيادة السلطة التنفيذية وهيمنتها على المجال الحقوقي والسياسي ،وانعدام الثقافة السياسية الحاضنة لمبدأ الاستقلالية وصعوبة تجاوب السياق المجتمعي مع نفاذ المبدأ واعماله في الواقع.

والمشرع الدستوري في دستور الجمهورية اليمنية المعدل بعد حرب صيف 94م افرد للسلطة القضائية (6)مواداً فقط من 149-154 والدستور وان كان اقر احترام معايير القضاء الحديث ،الا انه قد ترك امر تنظيم معظم تلك القواعد العامة الى القوانين الصادرة عن البرلمان التي غالبا ما تخالف حدود التفويض الدستوري بتنظيم الحق الى مصادرته وافراغه من محتواه الحقيقي ثم يأتي الواقع ليضيف الى ذلك انتهاكات لاستقلال القضاء ,بفعل استمرار دولة ما قبل القانون وسيادة اعراف وتقاليد القبيلة قبيلة السلطة او المنافسة لها من القبائل الاخرى .

وعلى العكس من الحالة اليمنية نجد دساتير الدول الديمقراطية  بصفة عامة تضع السلطة القضائية في مصاف السلطتين التنفيذية والتشريعية ،وتخصص لها أسوة بالسلطتين الاخريين فصلًا كاملا تبين فيه تعريف السلطة القضائية ومهامها وحدود سلطتها وتشكيلها واقسامها ،( )

فمثلا نجد ان القانون الاساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية قد افرد للسلطة القضائية اكثر من 12 مادة مثلها مثل السلطة التشريعية التي افرد لها 15 مادة، حيث فصل المشرع الالماني مهام وحدود صلاحيات السلطة القضائية وتشكيلها وحصانات القضاة وحقوقهم وواجباتهم ومساءلتهم وهو ما يتفق مع المعايير الدولية حيث نصت الفقرة 1 من المبادئ الاساسية لاستقلال القضاء التي تبناها مؤتمر الامم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين و الذي اقرته الجمعية العمومية بتاريخ 13 ديسمبر 1985م على ان

تضمن الدولة استقلال القضاء ويحترمه دستور أو قانون البلاد ،كما أنه من واجب جميع المؤسسات الحكومية أن تحترم استقلال القضاء وتذعن له.

والدستور اليمني _كما اسلفنا –قد تضمن نصوصاً دستورية براقة ولكن – وللأسف – توجد الى جانبها نصوص اخرى في نفس الدستور تكاد  تطمس بريق النصوص السالفة الذكر ويكون ذلك عن طريق عدم تنظيم السلطة القضائية بالشكل الكامل أو ادخال جزء من اختصاصاتها في سلطة اخرى،الامر الذي يمكن ان يؤدي الى التأثير فيها او اقحام جزء من سلطة اخرى في سلطتها وإكسابه حصانة السلطة القضائية وامتيازاتها بحيث يخفى حتى على المتخصص الحد الفاصل بينهما .ومايزيد الطين بلة أن تصدر قوانين بناء على النصوص الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية تزيد من تدخل السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية.( )

وابرز مثال للتداخل وادخال جزء من اختصاصات السلطة القضائية في سلطة اخرى ما  نص عليه الدستور في المادة (149) من ان القضاء سلطة مستقلة قضائيا وماليا واداريا والنيابة العامة هيئة من هيئاته ،فقد اعتبر المشرع الدستوري النيابة العامة جزءاًمن السلطة القضائية عن طريق النص على انها هيئة قضائية في الفصل الخاص بالسلطة القضائية في الدستور ما اوجد  تداخلا ًبين وظيفة النيابة العامة ووظيفة القضاء من حيث القائمين بمهام النيابة العامة فهناك مهام للنيابة العامة يقوم بأعبائها اعضاء من جهاز النيابة العامة ،وهذه المهام هي :

تلك التي حددها المشرع في قانون السلطة القضائية في الباب الثالث المنعون بالنيابة العامة والذي نصت المادة (51)منه على ان تتولى النيابة العامة التحقيق والاحالة في الجرائم وحددت المادة 53 من نفس القانون بعض صلاحيات النيابة مثل تحريك الدعوى الجنائية والاشراف على السجون  وأبداء الرأي في الطعون على الاحكام والقرارات القضائية وأكدت المادة 54 من نفس القانون تبعية أعضاء النيابة لرؤسائهم بترتيب وظائفهم ثم النائب العام ،ثم وزير العدل .ونصت المادة 56 (على انه يسري في حق اعضاء النيابة ذات الاحكام المقررة للقضاء في هذا القانون وبخاصة ما يتعلق بشروط التعيين واحكام النقل والندب والحقوق والواجبات والمحظورات والحصانة والاشراف ,

وهنا يلاحظ مدى التداخل بين وظيفة القضاء وجهاز النيابة والتي لا نتفق مع ما ذهب إليه المشرع الدستوري من وضع النيابة العامة في الفصل الخاص بالسلطة القضائية ،ذلك ان النيابة العامة ليست هيئة قضائية لأنها وكيل عن المجتمع واعضاؤها لا يتحقق بحقهم الاستقلال الكامل لأن الرئاسة تفسد مضمون العمل مهما تقيد نطاقها القانوني بحسن ادائه من الناحية التنظيمية .فالتبعية الرئاسية لها أثر نفسي غير محدود ،وتحد من قدرة المرؤوسين على الاستقلال برأيهم والنأي عن التأثير بتعليمات رؤسائهم فيما يتعلق  بمضمون العمل القضائي ( )

ولايخفى أن اعتبار النيابة العامة هيئة قضائية يخالف المعايير الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية بل فيه انتهاك لبعض حقوق الانسان  المنصوص عليها في  العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المنضمة اليه اليمن في 9فبراير 1987 ، وهذه الحقوق هي أ-الحق في المساواة أمام القانون .ب- حق المساواة امام القضاء،

وحيث ان النيابة العامة هي التي تتولى الدعوى العمومية وتنوب عن المجتمع في ذلك ،فانها بهذا الدور مجرد ممثل عن المجتمع للقيام بهذه الوظيفة في مواجهة الطرف الآخر كالمتهم في القضايا الجنائية او الورثة في القضايا المتعلقة بالوصية والوقف .ومن ثم ،فإن اعتبار النيابة العامة جزاًمن السلطة القضائية يعد تمييزا لها ،ويعد إخلالاًمن القانون الداخلي في توفير الحماية الفعالة لحقوق الانسان – كما اوجبت المادة (26)من العهد  الخاص بالحقوق السياسية والمدنية أن يكون الافراد في الدولة متساوين جميعا أمام القانون وفي التمتع بحمايته وان على القانون الداخلي في الدولة الطرف في العهد أن يكفل لجميع الافراد حماية فعالة من التمييز لأي سبب كان ،

ولأن الدستور اعتبر النيابة هيئة قضائية فانه يتم تمييزها في الحياة العملية حيث نرى بعض المظاهر التي تتعلق بالنيابة العامة قد تعتبر إخلالاً  بحق المساواة أمام القضاء مثل التقليد الذي جرى العمل به في المحاكم اليمنية بوضع النيابة داخل قاعة المحكمة .فممثل النيابة اثناء انعقاد الجلسة يجلس الى جانب القاضي بينما يقف المتهم او محامية مقابل القاضي .وهذا التمييز في المعاملة فيه إخلال بمبدأ المساواة بين الخصوم أمام القضاء .لان النيابة داخل المحكمة هي خصم للمتهم ومن ثم يجب الاتعطى مكانة اكبر من مكانة الخصم  .بالمخالفة لنص المادة (14)من العهد سالف  الذكر التي توجب المساوة بين جميع الاشخاص  امام القضاء سواء كانت الدعوى جنائية او مدنية وان تنظرها محكمة مختصة مستقلة حيادية  ( ).   ومما يوكد ان النيابة العامة ليست هيئة قضائية انها صنفت في مواثيق حقوق الانسان تحديداً ما أعتمده مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في مدينة هافانا من 27اّب /اغسطس إلى أيلول سبتمبر 1990م جملة من المبادئ تتعلق بعمل النيابة أطلق عليها تسمية (مبادى توجيهية بشأن دور اعضاء النيابة العامة)وقد اتفق في هذا المؤتمر في ما يتعلق بدور اعضاء النيابة العامة في الإجراءات الجنائية على ان (تكون مناصب أعضاء النيابة منفصلة تماما عن الوظائف القضائية ( )وأن النيابة العامة تقوم بدورها في الاجراءات الجنائية باعتبارها ممثلاًعن الصالح العام( )  ومما يؤكد ان النيابة العامة ليست هيئة قضائية ان المجتمع الدولي حدد مبادى عامة لاستقلال السلطة القضائية في مؤتمر الامم  المتحدة السابع لمنع الجريمة التي سبق وان اشرنا اليها سابقاً ،وخصص للنيابة العامة مبادى اساسية في مؤتمر الامم المتحدة الثامن لمنع الجريمة سالف الذكر  ،ونص على حق اعضاء النيابة في تكوين نقابتهم التي تكفل لهم الدفاع عن حقوقهم ،مما يؤكد التمايز وان النيابة ليست هيئة قضائية.

وفي الدول الديمقراطية تكون القاعدة هي اختلاف ضمانات الاستقلال الممنوحة للقضاة عن تلك الخاصة بأعضاء النيابة ،فالدور الذي يقوم به القاضي في النظام الديمقراطي تعتمد على ظهوره بمظهر النزاهة والاستقلال .اما النيابة العامة فوظيفتها تختلف اختلافا كبيرا فهم بعيدون عن السلبية والحياد ولايفترض ان يكونوا كذلك لانهم طرف في الدعوى الجنائية ،وفي إنجلترا وايطاليا وهولندا يعتبر تدخل رئيس النيابة في اداء اعمال الاعضاء التابعين له تدخلا مشروعا بعكس القضاة فلا يجوزلاي كان التدخل في اعمالهم لان تدخله فيه اعتداء على استقلال القضاء ،وهناك اختلافات اساسية بين القضاة واعضاء النيابة في جميع دول اوروبا ففي فرنسا أعطت لجنة الاصلاح التي ترأسها رئيس محكمة النقض عام 1997م اجابة واضحة حول مدى الاستقلالية التي ينبغي ان تمنح للنيابة العامة بقولها (…إن السياسات القضائية في دولة ما يجب ،مع الحفاظ على الديمقراطية أن تبقى ضمن مسئوليات السلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير العدل ،وبالتالي فقد اصدرت اللجنة حكما ضد الاستقلال التام للنيابة العامة)( )

بناء على ذلك كله يتبين أن المجتمع الدولي لا يعتبر النيابة العامة جزءاًمن السلطة القضائية ،وانما هي تمثل المجتمع أمام السلطة القضائية التي تتولى مهمة الفصل في المسائل التي تعرض عليها ،ومدخلات النيابة العامة في اليمن تعيسة فالنائب العام يعين من قبل رئيس الجمهورية من دون مراعاة ادنى المعايير القانونية والقضائية فالأغلب ان يكون من جهاز الامن السياسي أورجل عسكري تعود على اطاعة الاوامر ، وليس قاضيا وهو الذي يقوم فعليا بالحاق اعداد كبيرة من العسكريين بجهاز النيابة سيماء خريجي كلية الشرطة حيث ان اغلب وكلاء ورؤساء النيابة ضباط شرطة ومعظمهم يتم ندبهم وتكليفهم من قبل النائب العام من غير ان تخضع قرارات الندب والتكليف والاعارة لرقابة مجلس القضاء الاعلى فقاعدة البيانات الموجودة لدى مجلس القضاء الاعلى عن تعيين اعضاء النيابة والوظائف التي يشغلونها لاتمت بصلة لماهوا موجود على ارض الواقع ،بتأكيد امين مجلس القضاء الاعلى القاضي هزاع اليوسفي ،في لقاء جمعه بكاتب هذه السطور ،وجميع اعضاء النيابة لايتم تأهيلهم تأهيلاً كافياً فهم لا يلتحقون بالمعهد العالي للقضاء ،عدا دفعتين تم الحاقهم مؤخرا بالمعهد العالي للقضاء لمدة سنة ومن ثم عينوا في جهاز النيابة بدرجة معاون نيابة ، وبعد ان يمضوا فترة في النيابة يتم تعيين بعضهم في القضاء وقد عين في العقدين الاخيرين بقرارات جمهورية الكثير من اعضاء النيابة بالمحكمة العليا وصار اغلب اعضاء المحكمة العليا من مدخلات النيابة العامة، فكيف؟ سيراقب ويحاكم الاحكام الصادرة من المحاكم الادنى درجة من لم يسبق له ان اصدر حكماً قضائياً في حياته ؟!!

وكيف سيرسي مبادئ قضائية من تعود على العمل في اتجاه معين ،وجبل على اطاعة الاوامر من قبل رؤسائه ؟!

 وكيف نطلق عليه لقب قاض وهو دائماً غير محايد ولايتولى الفصل في الخصومات ؟

مما سبق يتضح انه يتم اختراق القضاء والتدخل في شئونه عن طريق النيابة العامة سيما والنائب العام عضو بمجلس القضاء الاعلى ،

ونرى انه لتحقيق احترام كامل لحقوق الانسان يتعين إخراج النص الدستوري المتعلق بالنيابة العامة من الفصل الثالث من الباب الثالث من الدستور المخصص للسلطة القضائية ،وتنظيمها في قانون مستقل عن قانون السلطة القضائية.   

وتنظم في الدستور في الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية ، لان الاصل انها تتبع السلطة التنفيذية وليست هيئة قضائية لأنها سلطة ادعاء ويناط اختصاص التحقيق المخول للنيابة الى قضاة تحقيق يتبعون القضاء ، وتراقب اعمال النيابة من قبل القضاء ذلك ان القضاء حاليا لا يملك قانوناً مايخوله محاسبة عضو النيابة المقصر في اداء واجبه رغم القصور الواضح في عمل الاغلبية من اعضاء النيابة ،لان الاخير يعتبر نفسه قاضياً ولديه حقوق وامتيازات مثل ما للقاضي رئيس المحكمة وهذا ما ينتج عنه اهدار لحقوق الانسان اليمني، سيما وان رؤساء ووكلاء النيابة غير مستقلين وينفذون اوامر رؤسائهم ويقبلون بل ويرحب اغلبهم بتدخلات مسئولي السلطة التنفيذية فرئيس النيابة في المحافظة من الناحية الواقعية والعملية تابع لمحافظ المحافظة وينفذ اوامره حتى وان كانت مخالفة للقانون ، .

التعديلات المقترحة لتوافق العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة:

قبل الولوج الى بيان التعديلات المقترح ادخالها على الدستور والقوانين ذات الصلة ، لابد من توضيح ان التنظيم  القضائي في اليمن غير مستقر على الاخذ بنموذج محدد كأي بلد في العالم المتحضر  فتركيبته متضاربة متداخله تمثل فتاتا ًمن بقايا تجربه عثمانية أصلها فرنسي لاتيني وأشلاء من بقايا تجربة إنجليزية في السودان  ومظاهر من النظام المصري مضافا أليها إفرازات الصراع السياسي غير الموضوعي في الفترة الانتقالية .

ولذلك لابد من وقفة جادة وحسم واضح لأمر النظام القضائي بعيدا عن الاشخاص وذلك باعتبار ان حسم موضوع النظام القضائي يمثل حجر الزاوية في عملية الإصلاح القضائي .( )

والتعد يلات الدستورية والقانونية لابد ان تتوافق مع ما جاء في المادة (2)من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على وجوب تغيير التشريعات الداخلية  للدول الاطراف لإعمال احكام العهد المذكور .كذلك تضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بالمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية وخصوصاً ما جاء في ديباجته من ضرورة بذل الجهود لتحويل هذه المبادئ كاملة إلى واقع ملموس كما اكدت الاجراءات التنفيذية بشأن تلك المبادئ الاساسية سالفة الذكر الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي ،من التزام الدول تعديل تشريعاتها الداخلية لكي تتوافق مع تلك المبادئ .( )

كل ذلك يدعو الى القول بضرورة تدخل المشرع الدستوري لتعديل النصوص المتعلقة باستقلال السلطة القضائية في اليمن لتتوافق مع حقوق الانسان .

وهذا التعديل يشمل نقل بعض النصوص الدستورية واستحداث نصوص جديدة بشأن السلطة القضائية لتعزيز دورها كما يجب اعداد قانون جديد للسلطة القضائية لتحقيق مبدأ استقلال القضاء وفقاً للمعايير الدولية بهذا الشأن ونقترح ان يتضمن التعديل التشريعي الآتي :

أولاً التعديلات الدستورية :

نقترح نقل النصوص الدستورية الواردة في الفصل الثالث من الباب الثالث المتعلقة بالنيابة العامة الى الفصل الثاني من نفس الباب الخاص بالسلطة التنفيذية حيث ان النيابة العامة ،كما –اسلفنا-تعتبر جزءاً من السلطة التنفيذية .

كما نقترح اضافة نصوص دستورية تنص بشكل صريح على ما يلي:

أ-انشاء محكمة دستورية عليا مستقلة  حيث ان ايكال مهامها إلى احدى دوائر المحكمة العليا أثبت عدم فاعليته .( )

على ان يكون عدد قضاتها 15قاضيا من القضاة واساتذة القانون الدستوري الأكفاء .المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة على ان يكون القاضي قد تدرج في العمل القضائي لمدة لا تقل عن عشر سنوات وكذلك عضو هيئة التدريس يشترط ان يكون بدرجة استاذ مشارك وان يكون قد امضى مدة عشرين سنة في تدريس القانون ،و يقوم  رئيس الجمهورية بتعيين خمسة من الاعضاء ،ويقوم قضاة المحكمة العليا بانتخاب خمسة اخرين ،كما يقوم البرلمان بانتخاب الخمسة الباقين بغالبية الاصوات وتكون مدة ولاية قضاة المحكمة تسع سنوات وعلى ان يكون للمحكمة كامل الاستقلالية  ولها هيكلها الخاص المنفصل عن المحاكم العادية  ،وهذه الطريقة هي المطبقة في التجربة الايطالية  والتي يظهر انها تأخذ قيمة استقلال القضاء كغاية في حد ذاتها ،( )

وبالنسبة للقانون يجب أن يوضح النظام والاجراءات الخاصة بها ويحدد الحالات التي يكون فيها لقراراتها قوة القانون.

وينص في الدستور على ان تتولى المحكمة الدستورية العليا الفصل في المسائل الآتية:

–       دستورية أي تعديل دستوري .

–       تفسير الدستور في احوال المنازعات بين  سلطات الدولة الثلاث المتعلقة بمدى حقوق وواجبات وصلاحيات احدى السلطات المنصوص عليها في الدستور. وكذا تفسير القوانين واللوائح.

–       الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والقرارات .

–       الفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية .

–       الفصل في الطعون الانتخابية  (( ) )

–       الفصل في تنازع الاختصاص بين الهيئات المركزية واللامركزية.

–       اية اختصاصات اخرى ينص عليها هذا الدستور(36) 

باستعراض النصوص الدستورية المتعلقة بالقضاء نجد ان دستور الجمهورية اليمنية   ينص في المادة (150) منه على ان (القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات القضائية  ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها ولايجوز انشاء محاكم استثنائية بأي حال من الاحوال ) كما تضمن نص المادة نفسها ونص المادة (151) عدداً من الاحكام الدستورية المتعلقة بتعيين ونقل وترقية وحصانة القضاة وعزلهم  وتأديبهم حيث نصت المادة (149)على ان (يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات الاخرى الخاصة بهم .)ونص في المادة 151)على ان (القضاة وأعضاء النيابة غير قابلين للعزل إلا في الحالات وبالشروط التي يحددها القانون ،ولايجوز نقلهم  من السلك القضائي إلى اي وظائف غير قضائية إلا برضاهم وبموافقة المجلس المختص بشئونهم مالم يكن ذلك على سبيل التأديب وينظم القانون محاكمتهم التأديبية).وكما انه اكد على ان يكون للقضاء مجلس اعلى  بأن نص في المادة (152)على أن(يكون للقضاء مجلس أعلى ينظمه القانون ويبين اختصاصاته وطريقة ترشيح وتعيين أعضائه ،ويعمل على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة من حيث التعيين والترقية والفصل والعزل وفقا للقانون )ونص في نهاية نفس المادة على ان يتولى المجلس الأعلى للقضاء دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء تمهيدا ًلإدراجها رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة .

ومن خلال مواد الدستور السابق استعراضها   سواءً تلك المتعلقة بترتيب الجهات القضائية ودرجات المحاكم وتنظيمها وتحديد اختصاصاتها أو تلك المتعلقة بالحصانات والضمانات المقررة للقضاة وشروط تعيينهم ونقلهم وندبهم وعزلهم ، نجد ان الدستور قد احال وضع تلك الترتيبات والشروط والضمانات على القانون ،في حين ندرك أن الحكومة هي الجهة الرسمية في الدولة المخولة وفقا للدستور حق اقتراح القوانين واقتراح تعديلها الى جانب أعضاء مجلس النواب وعليه فإن الحكومة (السلطة التنفيذية)هي المسئولة عن اعداد مشاريع  القوانين الخاصة بتنظيم السلطة القضائية وليس اي جهة قضائية ( )

اما المبادئ الذي اقرها الدستورفقد افرغت من محتواها وكأن الدستور نفسه هو الذي ترك  امر تنظيم تلك القواعد العامة الى القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية .

كما يلاحظ على نصوص الدستور اليمني المتعلقة بالقضاء انها جاءت بطريقة عامة دون تفصيل ،واحالت في ذلك على نصوص القانون في العديد من الامور الهامة ،لاسيما تلك المتعلقة بتحديد ولاية وتنظيم الجهات القضائية مما اتاح للعديد من النصوص القانونية انتهاك هذا الاستقلال ..

كما ان النص الدستوري يحيل الى القانون مسائل جوهرية في هيكلية السلطة القضائية ،و يسمح بالمساس بالاستقلال الواجب توافره لها فالمادة(152)من الدستور ،احالت سلطة تشكيل مجلس القضاء الأعلى –أعلى هيئة قضائية –واختصاصاته شروط تعيين القاضي ونقله وعزله وترقيته الى البرلمان .مما ادى الى ما نعاني منه اليوم من قيام البرلمان بالنص على ضمانات استقلال القضاء في اول مادة من قانون السلطة القضائية ..وفي نفس الوقت يعمل هذا القانون على تقويض هذا المبدأ في اغلب مواده بإعطاء السلطة التنفيذية سلطات تمارسها على القضاء محولة له من سلطة الى وظيفة ,ومن مستقل الى تابع( )

وهوما اكده ممثل السلطة التنفيذية وزير العدل القاضي مرشد العرشاني بقوله (ان نصوص الفصل الثالث من الباب الثالث من الدستور لم تعكس في نصوص تشريعية او في قانون السلطة القضائية حتى تتضح الية وأساليب تطبيق النص الدستوري على واقع السلطة القضائية ..

كما اكد العرشاني ان السلطة التنفيذية طغت على السلطة القضائية وهيمنت عليها وتحكمت في القرار الاداري وفي القرار المالي وغلت يدها وان السلطة القضائية لم تستطع ان تخطو الى الامام لأنها مكبلة بالسلطة التنفيذية وان القرارات الصادرة من مجلس القضاء سواء في ما يخص الترقيات او ما يخص موازنة السلطة القضائية  حيث اقر مجلس القضاء موازنته ووجه رسالة الى مجلس الوزراء بإدراج موازنة السلطة القضائية  رقم واحد ضمن موازنة الدولة طبقا لنص المادة 152 من الدستور لكن الحكومة رمت بهذا كله عرض الحائط  واعتمدت مبلغا ماليا ًتقديريا وانه وصل الى قناعة اذا كان القضاء يسير على هذا الاتجاه فيتم الغاء الفصل الثالث من الباب الثالث من الدستور ويضم الى السلطة التنفيذية  ويعامل مثل ما تعامل الخدمة المدنية او شئون القبائل)،

وفي معرض رده على سؤال المحاور عن دور وزارة العدل وانها جزء من السلطة التنفيذية اكد العرشاني "ان وزارة العدل حتى الان بحسب قانون السلطة القضائية  النافذ مازالت هي الجسم الكبير داخل السلطة القضائية لأن وزير العدل هو الذي يشرف على القضاة اداريا وقضائيا ،ومن حقه ان يعد الحركة القضائية ومن حقه ان يعد ترقيات القضاة ومن حقه ان يقدم من ثبتت عليهم اية اتهامات الى مجالس التأديب وزير العدل هو الذي يشرف على مفاصل السلطة القضائية. فهو يمثل السلطة القضائية بكل استقلاليتها حتى يأتي قانون السلطة القضائية بالحاق التفتيش القضائي بمجلس القضاء الاعلى ويكون المجلس هو المشرف على الكادر القضائي بكامله وتبقى وزارة العدل عبارة عن شئون مالية وادارية او شئون خدمية للسلطة القضائية وعبارة عن توثيق وخبرة وطب شرعي وزارة العدل هي وزارة تابعة للسلطة التنفيذية اما في الوقت الراهن فلا"()

لهذا نرى ضرورة ضمان استقلال القضاء بالنص في صلب الدستور على كيفية تشكيل وتحديد اختصاصات مجلس القضاء والمحكمة العليا فضلا عن تفصيل حصانات وحقوق القضاة وشروط تعيين القاضي ونقله وعزله وترقيته والضمانات التي يجب ان يتمتع بها .

لان اليمن فقيرة من  التقاليد المؤسسية بعد ،وهو نفس ما طالب به المستشار احمد الزند رئيس نادي قضاة مصر في مؤتمر صحفي بث على قناة الجزيرة مباشر مصر عصر يوم 7يونيو 2012م بقوله لابد من تحصين القضاة بالنص على ذلك  في الدستور ويخصص للسلطة القضائية باب كاملاً حتى لا تتنازعها الاهواء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .

ونقترح ان يتضمن الدستور عدداً من النصوص التفصيلية  وكما يلي:

– القضاء وحدة متكاملة وتترتب المحاكم كما يلي:

 1- المحكمة الدستورية العليـــــــــــــا

              2-       المحكمة العليـــــا .

3-     محاكم الاستئناف .  

4-     المحاكم الابتدائية.

ب) يحظر إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال.

جـ) لا يجوز  إنشاء محاكم خاصة أو شُعب أو دوائر خاصة أو فرعية الابقانون.

و- تتحدد المناصب القضائية على النحو التالي :

        رئيس المحكمة العليـــا               

        نائب رئيس المحكمة العليا

        عضو المحكمة العليــــا             

        رئيس محكمة إستئنــاف      

        نائب رئيس محكمة إستئنــاف      

رئيس شعبة استئنافية                

                عضو شعبة استئنافية                       

        رئيس محكمة إبتدائيــة             

        قاضي محكمة إبتدائيــة     

–  يجوز بمقتضى قانون انشاء مجالس تأديبية لاتخاذ الاجراءات التأديبية ضد الموظفين والقضاة ،كما يجوز أن ينشئ محاكم مختصة بالعسكريين لاتخاذ الاجراءات التأديبية ضدهم والتحقيق في الشكاوى الصادرة منهم .

– يجوز بمقتضى القانون أن تنشأ للقوات المسلحة محاكم عسكرية باعتبارها محاكم عادية تختص بتوقيع العقوبات في جرائم عسكرية ولايجوز لهذه المحاكم  ان تباشر توقيع العقوبات الا أثناء حالة الدفاع وعلى افراد القوات المسلحة فقط  وينظم القانون التفاصيل الخاصة بذلك .

– تتبع المحاكم العسكرية مجلس القضاء الاعلى ويجب ان يكون قضاتها حائزين للصفات المطلوبة لممارسة وظائف القضاة.

– القضاة المعينون في الكادر القضائي المعتاد لا يجوز عزلهم او وقفهم عن وظائفهم بصفة نهائية او موُقته قبل انتهاء مدة وظيفتهم وعلى غير رغبة منهم ،كما لا يجوز تعيينهم في وظيفة اخرى أو احالتهم الى التقاعد الابموجب حكم قضائي ووفقا للأسباب وبالشكل الذي ينص عليه القانون .وفي كل الاحوال يحتفظ القضاة بالحق في كامل مرتباتهم .

– اذا خالف أحد القضاة ،اثناء مباشرته لمهام وظيفته او أو خارجها ،مبادئ الدستور فيجوز للمحكمة الدستورية العليا ان تقرر بأغلبية ثلثي الاعضاء وبناء على طلب مجلس القضاء تعيين القاضي في وظيفة اخرى أو احالته الى التقاعد ويجوز لها ان تقضي بعزله اذا تعمد ارتكاب المخالفة .وتتولى المحكمة الدستورية الفصل في مخاصمات القضاة .

– لا يجوز نقل أي قاض او ترقيته الابموافقته .

– لا يجوز أن يتخذ ضد عضو السلطة القضائية أي إجراء من إجراءات التفتيش أو القبض أو التحقيق أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بعد الحصول على إذن من المجلس الأعلى عدا القبض في حالة التلبس بجريمة جسيمة وفي هذه الحالة يجب على النائب العام رفع الأمر فورا إلى رئيس المجلس ليأذن باستمرار حبسه أو يأمر بإخلاء سبيله بضمان أو بغير ضمان .

ويكون حجز أي من أعضاء السلطة القضائية احتياطيا في أماكن خاصة ، وفي حالة الحبس تنفيذا لحكم بعقوبة مقيدة لحرية أي منهم يتم الحبس في أماكن مستقلة عن أماكن حبس السجناء الآخرين ، وتسري أحكام هذه المادة أيضا على المتقاعدين من أعضاء السلطة القضائية .

 

–       لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على عضو السلطة القضائية الا بأذن من المجلس الأعلى بناء على طلب النائب العام ، ويعين المجلس المحكمة التي تتولى محاكمته .

 

– التشهير بالقضاء أو بأي من أعضاء السلطة القضائية تدخل في شئون العدالة، جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم.  

– ومن اجل حماية استقلال القضاء لابد من ان ينص الدستور على ان يكون المجلس الاعلى للقضاء منتخب من الجمعية العمومية للقضاة .كما ينص بشكل اوضح ،على ان ثلثي الاعضاء يجب أن يكونوا من القضائيين، وعلى ان يقوم البرلمان بانتخاب الثلث الاخير من بين اساتذة القانون والمحامين ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة والذين لا تقل خبرتهم عن 15 سنة .ويتم تغيير الاعضاء المنتخبين من الهيئة القضائية بالكامل كل اربع سنوات ،

ويجب التنويه بأن انتخاب المجلس الاعلى للقضاء، كان ومايزال مطلب القضاة في الجمهورية اليمنية ،وقد اضرب القضاة في اليمن لمدة ثلاثة اشهر" الربع الاول من عام2012م"، وكان اول مطالبهم ان يعدل القانون بما يكفل لهم انتخاب مجلس القضاء ولايجوز ان يكون وزير العدل والنائب العام ورئيس هيئة التفتيش القضائي اعضاء في مجلس القضاء لانهم جزء من السلطة التنفيذية،

كما لابد من الغاء جميع صلاحيات رئيس الجمهورية المتعلقة بتعيين وترقية القضاة  والنص في الدستور على ان جميع القرارات الخاصة بالقضاة منذ التعيين حتى التقاعد مثل الترقي والنقل والتأديب ،وعدم الاهلية تكون من اختصاص المجلس الاعلى للقضاء المنتخب .

،واستطرادا نقول إن انجح تجربة في تشكيل المجلس الاعلى للقضاء بالانتخاب هي التجربة الايطالية .

حيث تتمتع بنظام ديمقراطي متماسك، وتعتبر ايطاليا الدولة التي حصل فيها استقلال القضاء على أعلى اعتراف به بحيث اصبح قيمة وغاية ،على حساب قيم اخرى وينتخب مجلس القضاء في ايطاليا من القضاة، ويكون ثلثي اعضائه قضائيين بنص الدستور الصادر عام 1948م () وكما ان مبدا انتخاب مجلس القضاء هو المعمول به في كلا من الأرجنتين وبوليفيا والسلفادور وجواتيمالا وفي معظم دول اوربا الغربية .

ومما يهوٍّن من مكانة القضاء ان موازنة السلطة القضائية متدنية إذ لا تتجاوز 1% من موازنة الدولة والى ذلك تتحكم فيها السلطة التنفيذية كما –اسلفنا- ونرى  ان ينص الدستور على ان يستقل مجلس القضاء بوضع ميزانية السلطة القضائية وإعلانها رقما واحداً وفي كل الأحوال يجب أن لا تقل ميزانية السلطة القضائية عن 6% من الموازنة العامة للجمهورية اليمنية.

إن ضمان نسبة محددة من الميزانية العامة- وهي 6%-إحدى التدابير الاساسية التي تساهم في ضمان استقلال الهيئة القضائية عن سلطتي الدولة الآخريين. وهو ما جرى عليه العمل في السلفادور مثلا حيث ينص دستورها على وجوب تخصيص 6% للهيئة القضائية وجواتيمالا يخصص دستورها 4% للقضاء وينص دستور باناما على ان لا تقل ميزانية القضاء عن 2% ودستور باراجواي ينص على ان لا يقل عن 3%من ميزانية الدولة يخصص للقضاء.(  )

وهو ما يتفق مع المبادئ الاساسية لاستقلال القضاء الذي اقرته الامم المتحدة إذ ينص على انه من واجب كل دولة من الدول الاعضاء ان توفر موارد كافية لتمكين القضاء من اداء وظائفه على اكمل وجه.( )

التعديلات القانونية:*اقتراح بتعديلات قانونية:-

نقترح ان يعد قانون جديد للسلطة القضائية يكفل استقلال القضاء استقلالا تاما وحقيقيا وفقا للمعايير الدولية –سالفة الذكر – ويمنع تدخل السلطة التنفيذية في اعمال السلطة القضائية وعلى ان يتضمن قانون السلطة القضائية الجديد ما يلي:

– الغاء وزارة العدل واناطة جميع صلاحياتها بالمجلس الاعلى للقضاء المنتخب ثلثي اعضائه بالاقتراع السري من قبل الجمعية العمومية لا عضاء السلطة القضائية والثلث الاخر من البرلمان وعلى ان يمثل فيه قضاة محاكم الدرجة الاولى لان المجلس الحالي تسيطر عليه المحكمة العليا ويحرم قضاة محاكم الدرجة الاولى من التمثيل.

– تناط عملية الاشراف الاداري والمالي بالجهاز القضائي عبر انشاء مكتب اداري يتبع مجلس القضاء الاعلى لأن الاتجاه السائد الان في العالم نقل كل مسئوليات الادارة القضائية والميزانية بعيدا عن السلطة التنفيذية. فقد اوكلت المسئوليات الإدارية إما الى المجلس القضائي أو القضاة انفسهم او الى مجالس من داخل القضاء.

ففي الولايات المتحدة الامريكية انشأ الكونجرس المكتب الاداري لمحاكم الولايات المتحدة الامريكية والذي يتضمن ممثلين عن كل مستويات القضاء الفدرالي ويدير ميزانية القضاء وعملياته الخاصة ويسلم ميزانية القضاء المقترحة الى الكونجرس ( ) وهو النظام الذي تأثر به النظام القضائي في السودان حيث لا يوجد وزير عدل في السودان وانما يوجد جهاز شبيه بوزارة العدل لكن للأسف رئاسته منوطه برئيس متفرغ يسمى رئيس القضاء يعينه رئيس الدولة( )

–       ولابد من وضع معايير واضحة وشفافة ودقيقة في قانون السلطة القضائية لتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتقاعدهم وعزلهم ،لان النهج الذي ظل سائداً على مدى اكثر من اربعة عقود هو تحكم وسيطرة السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ووزير العدل ،فعملية اختيار القضاة لا تتسم بالشفافية وتتحكم فيها الاحزاب السياسية ،حيث يتم تعيين القضاة ونقلهم بشكل دوري بناء على عوامل سياسية استبدادية ،فالتعيين والنقل ليس مبنيا على الاقدمية و الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص ،وانما قائم على المحسوبية والولاء والانتماءات السياسية أو الايديولجية  للقاضي ولازالت عملية تعيين ونقل القضاة الى هذه اللحظة مسيسة بشكل كبير وتفتقد الشفافية وتتحكم فيها السلطة التنفيذية هناك قضاة تم نقلهم من اعمالهم والبعض الاخر تم عزلهم على خلفية احكام اصدروها ضد نافذين او ضد السلطة التنفيذية ،

بل ان هناك كثيرا من المسئولين والوجهاء بل ومن القضاة انفسهم من يسعى للوساطة والتدخل للحصول  على اوامر وتوجيهات واتصالات لتعيين أشخاص كقضاة أو لترقيتهم أو نقلهم أو للحصول على امتيازات مشروعة وغير مشروعة..( )والقاضي  لا يشعر بالأمان في مثل هذه الاوضاع بل يفقد استقلاله بالنتيجة ولهذا يعتبر مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل من اقوى الضمانات ، التي تكفل استقلال القضاء ،فالعزل وسيلة خطيرة للتخلص من القضاة غير المرغوب فيهم لسبب من الاسباب .

ولغياب معايير الاقدمية والكفاءة والنزاهة والاستحقاق وتكافؤ الفرص عند التعيين والنقل في وظائف القضاء

وغياب تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ، وعدم تطبيق القواعد القانونية للترقية والعلاوات الدورية على نحو سليم وعادل ،و الإخلال بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وعدم بناء حركة التنقلات على معايير الكفاءة والأقدمية ومراعاة الظروف الأسرية ،و قلة الحوافز المادية وانعدام الحوافز المعنوية، نجد ان اغلب القضاة في الميدان يعانون من الإحباط وفتور الهمة،

ولتلافي تلك السلبيات،على مجلس القضاء المنتخب ان يعتمد على الشفافية والوضوح عند تعيين القضاة ونقلهم  ووضع انظمة تقوم على اساس مستوى الاداء . ولابد ان يقوم مجلس القضاء المنتخب بتقييم القضاة المختارين للمناصب القضائية  في جلسات علنية ، ونشر قائمة بجميع المرشحين الذين يقوم المجلس بتقييمهم  ونقل جلسات المجلس عبر شاشات التلفزيون عند الاختيار من بين المرشحين لعضوية المحكمة العليا الذين يقوم مجلس القضاء باختيارهم ،وعمل مقابلات مع كل من يرشح لعضوية المحكمة العليا ونشر التصويت عليهم من مجلس القضاء عبر شاشات التلفزيون الرسمية ،

ولابد من تقييم جميع القضاة الجالسين على المنصة بشكل يتسم بالشفافية ،لكي يفتح الباب للمنافسة الجماهيرية ،

وليس هذا بدعه فقد اخذت بهذه التجربة العديد من بلدان أمريكا اللاتينية بعد الاصلاحات الاخيرة مثل جمهورية الدومنيك

.وهناك عدة سلبيات لابد من وضع حلول ومعالجات لها في التشريعات والقوانين المستقبلية من ذلك :(45)

          1-  كثافة وضغط العمل بالمحاكم؛ جرّاء التدفق الشديد للقضايا الناتج عن عدد من العوامل القانونية والادارية والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية.  

2- قصور أداء الكوادر المعاونة. فما أكثر الأعراض المرضية في وسط أعوان القضاء؛ إما لِقلّة مخصصاتهم المالية ، أو لضعف أو انعدام التأهيل ، أو لسوء سلوك البعض ، أو لعجز البعض الآخر.

3- قلّة أو قصور أدوات ووسائل الأداء المادية؛ من مبان ووسائل مواصلات وأدوات مكتبية وأوراق قضائية ونحو ذلك . ومن الجدير بالذكر أن معظم محاولات الإصلاح القضائي التي تمت إلى الآن كانت تدور حول معالجة هذه العلّة ،

4- ضعف التأهيل العلمي؛ نتيجة تسرب عدد كبير إلى سلك القضاء ممن لم يتلقوا القدر الكافي من التأهيل العلمي أو ممن تأهيلهم أو مؤهلاتهم محل نظر.

5- ضعف التأهيل العملي أو انعدامه؛ إمّا لأن بعض القضاة قد تلقّوا فترة التدريب العملي على يد قضاة غير أكفاء ، وإما لتوليتهم القضاء مباشرة قبل انقضاء فترة التدريب الكافية أو قبل أن يتدربوا أصلا ، أو بسبب التوسع في إنشاء محاكم  دون مراعاة ندرة الكفاءات القضائية أو دون حاجة حقيقية ، الأمر الذي أدى إلى الاستعانة باشخاص غير أكفاء، لا تتوفر فيهم الشروط القانونية اللازمة لتولّي القضاء ابتداء . وبدلا من معالجة ندرة الكفاءات بتقليص المناصب القضائية في المحاكم من جهة وبالتوسع في قبول الدارسين بمعهد القضاء من جهة أخرى ، نجد التشكيل القضائي يتوسع من عام إلى آخر ، كما تم إقفال باب القبول في المعهد العالي للقضاء قرابة ثمان سنوات متوالية وتم فتحة قبل تسع سنوات وكانت معايير القبول عند اعادة فتح المعهد صارمة وطبقت على دفعة واحده فقط هي الدفعة الثانية عشرة، ثم تم التساهل في قبول  الدفع التالية بحيث يقبل في المعهد العالي للقضاء من يحملون مؤهلات من الجامعات الخاصة رغم ان مستواها دون الحد الادنى، بل انه تم قبول طلاب من كليات خاصة لا تدرس القانون بسبب تدخل رئيس الجمهورية وتوجيهه بقبول اولئك الطلاب .

6- محدودية الفهم؛ فثمّة من انسلّوا إلى سلك القضاء ممن لا يملكون الحد الأدنى من الفهم المطلوب فيهم كقضاة لا كأشخاص عاديين. أي الفهم الذي يمكنهم من تكييف وقائع النزاع والاستنباط من أحكام النصوص المنطبقة عليها واستجلاء الحقائق من أدلة الخصوم وحججهم .

7- الحرص في الأداء القضائي على الكم قبل الكيف: من أبرز مظاهر مفهوم أن ولاية القضاء وظيفة وأن القاضي مجرّد موظف. وانطلاقا من هذا المفهوم بدأ البعض بمنح المكافآت المالية لمن ينجز أكثر ، ولا يخفى ما يترتب على هذا من تسابق في إصدار الأحكام القضائية ومن ثَمَّ تدنّي مستوى الأداء من حيث الكيف . ومن هذا المنطلق أيضا بدأنا نسمع البعض يتحدث عن ضرورة تحديد سقف زمني لإنجاز القضية ، وعن انشاء محاكم لكل نوع من أنواع القضايا بل ولكل موضوع من مواضيع الخصومة ولو اقتضى الحال استجلاب قضاة . كل ذلك بهدف زيادة الإنتاج. وقد غاب عن هؤلاء أن القضاء رسالة غايتها تحقيق العدل ، وأن الواجب في الأحكام القضائية أن تكون عنوان الحقيقة . ولا يمكن أن يتحقق ذلك في ظل هذا التوجه الكمّي المطَّرد . لذا لابد من المواءمة في الأداء القضائي بين الكيف والكم لنضمن اداءً متمكناً، لكن يجب ألا يكون هذا على حساب الكيف. وخير وسيلة لذلك أن تكون الحوافز لمن يُؤدي أفضل لا لمن يؤدي أكثر، والتحقق من حسن الأداء يتم من خلال تقارير تقييم الكفاءة(46)

8- الانحراف المسلكي؛ ليس ثمّة من يُنكر وجود انحراف مسلكي بين بعض منتسبي السلطة القضائية ، بيد أن الرشوة ليست الصورة الأكثر شيوعا بين ذلك البعض – كما قد يتوهم كثيرون – فهناك الانصياع للتوجيهات والأوامر من داخل وخارج القضاء خوفا أو طمعا، والخوف من تهديد الخصوم ، ونحو ذلك مما قد يكون أشد تأثيرا.         

الضمانات المؤسسية لاستقلال القضاء:

يقصد بالضمانات المؤسسية لاستقلال القضاء تلك القواعد والاليات التي تتوفر للقضاء كمؤسسة وجهة موكول لها صلاحية النظر في النوازل وإصدار الاحكام بواسطة القانون ،و بما يعزز الاستقلال المؤسسي للقضاء وبث الشفافية في ادارته وتصريف موازنته وتأكيد ضمانات تعيين القضاة وتثبيتهم في وظائفهم ،وفرض هيبتهم وحيدتهم ،وضمان استقلالهم المالي والاداري  والمادي ،وكلها ضمانات لازمه لتحقيق الاستقلال المؤسسي للقضاء وإدراك العدالة  لذلك ازداد اهتمام الدول المتمدنة في العقود الاخيرة بالاستقلال المهني للقضاء وكفالة الحماية المهنية للقضاة.

ففي فرنسا على سبيل المثال يوجد الى جانب القانون المنظم للمجلس الاعلى للقضاء قانون يكفل الاستقلال المهني للقضاة ،استنادا الى المادة (64)من الدستور التي قضت ب (بتوفير حماية استقلال القضاة اثناء ممارستهم مهنتهم من خلال مبدأ عدم الاقالة )ووفقا لهذه المادة ،يمنع عزل القضاة او اقالتهم استنادا إلى اجراءات سياسية  ،كما ان القانون المنظم لمهنة القضاء في فرنسا يوفر ضمانات إضافية لحماية المستقبل المهني للقضاة ،حيث يسمح بتعيين القضاة مدى الحياة فيجعلهم في منأى عن كل ضغط أو تعسف ،ويقضي في احد أحكامه ب(أنه لأيمكن نقل أي قاضي أو حتى ترقيته دون موافقته)،مما يعني انه حتى النقل من اجل الترقي المهني يستلزم موافقة المعني بالامر،فبالأحرى النقل التعسفي الُمضِر بحقوق ومكاسب القاضي (47)، لذلك لابد من سرعة اصدار قانون حماية الاستقلال المهني للقضاة،

وتضمينه قواعد الشفافية المبنية على الكفائة والاستحقاق وتكافؤ الفرص .ونقترح ان تقسم الجمهورية الى ثلاث مناطق ، بحيث يعين القاضي فور تخرجه في المنطقة الثالثة النائية لمدة سنتين ،ثم ينقل الى المنطقة الثانية وهي محاكم الوجه البحري ،وينقل بعد اربع سنوات الى محاكم المنطقة الاولى، وهي العاصمة صنعاء وعدن وتعز وإب ولاينقل منها الابعد خمس سنوات ويجوز بناء على طلب القاضي وموافقة مجلس القضاء الاينقل الى محاكم المنطقة الاولى ليبقى في الثانية او الثالثة  ،او ان لا ينقل الى محاكم المنطقة الثانية ليبقى في المنطقة الثالثة وهو النهج الذي عمل به المشرع المصري وفقا لنص المادة (59)من قانون السلطة القضائية ،

تضمين قانون حماية استقلال القضاء :

حماية جزائية متشددة تفصيلية تتضمن عقوبات صارمة ورادعة على كل من يتدخل في شئون القضاء او يعرقل تنفيذ احكامه ،ولابد من توفير حراسة كاملة وذلك لتأمين أمن وسلامة القضاة من  أي اعتداء أو تهديد حيث يعتبر ضرورة ملحة تفرضها ظروف واوضاع البلد الاجتماعية ،حيث صار الاعتداء على القضاة ومقرات المحاكم امر مألوفا، فمنهم من قتل ومنهم من سجن ومنهم من اطلق علية النار واعتدي على سلامة جسمه ومنهم من تم التقطع لهم ونهبت وسائل مواصلاتهم ،ومنهم من تم اختطاف ابنائهم وكل ذلك على خلفيات احكام اصدروها على نافذين ومراكز قوى،

الوضع الوظيفي لهيئة التفتيش القضائي:

قرر المقنن تشكيل هيئة للتفتيش القضائي من رئيس ونائب وعدد كاف من القضاة يتم اختيارهم من بين قضاة المحاكم ، ذوي الخبرة ، والكفاءة [ المادة 92 من قانون السلطة القضائية ] . كما منح تلك الهيئة عددا من الاختصاصات والصلاحيات الخطيرة والحساسة (المواد 59 ، 94 ، 111 ، 112 من قانون السلطة القضائية) ، أهمها(48) :

1.     التفتيش على أعمال القضاة بهدف معرفة درجة كفاءتهم ومدى حرصهم على أداء أعمالهم .

2.     تلقي الشكاوى التي تقدم ضد القضاة .

3.     مراقبة سير العمل بالمحاكم وتقديم ما تراه من مقترحات بهذا الشأن .

4.     إعداد مشروع الحركة القضائية من تنقلات وترقيات .

5.     إعداد قائمة القضاة المرشحين للمحكمة العليا بما فيهم رئيس المحكمة ونائبيه .

6.     إجراء التحقيق الأولى ضد كل من يخل من القضاة بواجبات وظيفته .

7.     تقديم الدعاوى التأديبية إلى مجلس القضاء الأعلى والترافع أمامه ضد أي من القضاة .

هذا وإن حِرْص المقنن على جعل جهاز التفتيش القضائي في شكل "هيئة" ، واشتراطَه تشكيلها على النحو السالف ذكره ومنحه إيّاها كل هذه الاختصاصات لم يأت اعتباطا ، بل لإدراكه أهمية وخطورة المهمة المنوطة بها وهي الارتقاء بالأداء القضائي عن طريق تقييم وتقويم أعمال القضاة ورقابة سير العمل في المحاكم  .

        من خلال ما سلف يتبين لكل ذي بصر وبصيرة أن الغاية التي ابتغاها المقنن من هيئة التفتيش القضائي هي أن تكون لقيادة السلطة القضائية كالمختبر للطبيب . فعن طريقها يتم تشخيص العلل ومواطنها , ليس ذلك فحسب بل أعطاها القانون فوق ذلك حق اقتراح ما تراه من أساليب للمعالجة في سبيل تحسين الأداء القضائي . بمعنى أن أيّة قرارات أو إجراءات تُتخذ بشأن القضاء والقضاة يجب أن تتم بناء على ما يأتي من هيئة التفتيش القضائي من مقترحات . وهذا ما تصرح به نصوص قانون السلطة القضائية ، ، ورغم ذلك فإن دور هيئة التفتيش القضائي كان وما يزال غائبا أو مغيبا اذا شئنا الصراحة ، مما أفقدها الغاية من وجودها . وقد نجم عن ذلك رسوخ مفاهيم مغلوطة عن هذه الهيئة  في أذهان الكثيرين ، منها :

      أن الهيئة عوملت وتعامل إداريا وكأنّها مجرد إدارة من إدارات وزارة العدل ، مما جعل مجلس القضاء الأعلى – مع الاختلافات المستمرة بين أعضائه – لا يلقي بالا للهيئة ولا لما يأتي من قِبلها .

      صيرورة الهيئة – لزمن طويل – أشبه بقسم الفائض ، فطالما نُدب لها من لا حاجة إليه أو لا فائدة منه أو من لا يصلح لولاية القضاء أو من يتهرب من تلك الولاية او مغضوب عليه . وإذا كانت قد حظيت في السنوات الأخيرة ببعض ذوي الكفاءة إلا أن جُلَّهم ما يزال بدرجات قضائية دُنيا نظرا لحرمان القضاة من الترقيات لسنين طوال .

      أن معظم القضاة – وخاصة ذوي الدرجات القضائية العليا – لا يرغبون العمل في الهيئة إمّا ترفُّعا وإمّا خشية فقدان مكانتهم المعنوية أو بعض الحقوق التي يتمتعون بها في المحاكم .

لذلك ولضمان نجاح أيّة محاولات قادمة للإصلاح القضائي لابد من السعي الحثيث لإزالة تلك المفاهيم المغلوطة وترسيخ المفاهيم القانونية الصحيحة لدور الهيئة ليتسنى لها القيام بمهامها وتحقيق الغاية المرجوة منها على أكمل وجه ، ولن يتحقق ذلك إلا بالمسارعة باتخاذ عدد من الإجراءات أهمها :

      أولا : ضمان استقلال هيئة التفتيش القضائي ،

 ففي ظل الصلاحيات الخطيرة الممنوحة لها لا يمكن إعمال مبدأ استقلال القضاء إلا بضمان استقلال الهيئة ، ويكون ذلك بتعديل بعض نصوص قانون السلطة القضائية المتعلقة بالهيئة بحيث يصبح الإشراف عليها منوطا مباشرة برئيس مجلس القضاء الأعلى(49).

ثانيا : رفد الهيئة بأكبر عدد ممكن من قضاة المحاكم ذوي الخبرة والكفاءة من مختلف الدرجات القضائية، فرغم ان القانون النافذ يوجب التفتيش كل سنة على عمل كل قاض ، الا ان الهيئة لا تقوم بذلك مما يترتب عليه حرمان معظم القضاة من حقهم في الترقية بحجة عدم التفتيش على اعمالهم.

و لأن عمل الهيئة الفعلي يسير – حتى الآن – اعتمادا على عدد من المفتشين لا يتجاوز العشرة معظمهم من قضاة المحاكم الابتدائية .

ثالثا : تطبيق نصوص لائحة التفتيش القضائي الخاصة بهيكلة الهيئة وتكويناتها ، تلك التكوينات التي روعي فيها طبيعة عمل الهيئة كجهاز لتقييم وتقويم أعمال القضاة وسير العمل في المحاكم ، فبدون إعادة هيكلة الهيئة وفقا لتلك التكوينات بحيث يرأس كل منها مساعد لرئيس الهيئة ممن تتوفر فيهم الشرط القانونية ، لن تحقق الهيئة الغاية منها وهي الارتقاء بالأداء القضائي .

رابعا : توفير الحوافز والمميزات المادية القانونية ، المنصوص عليها في المادة (44) من لائحة الهيئة التي تقضي بأنه " لا يؤثر نقل القضاة للعمل بالهيئة على الحقوق والمميزات التي كانوا يتمتعون بها ، ولهم – طوال فترة عملهم بالهيئة – ما لزملائهم بالمحاكم من حقوق بالإضافة إلى البدلات والحوافز المالية التي تقتضيها طبيعة عملهم كأعضاء في الهيئة ومفتشين على القضاة …" ، فرغم صراحة هذا النص إلا أن أعضاء الهيئة لا يتقاضون سوى راتبهم الأساسي فقط محرومين من أيّة حوافز ، كما أن كثيرا منهم لا يمتلك وسيلة مواصلات ونحو ذلك مما يتوفر لزملائهم بالمحاكم ، وبذلك أصبح ندب القاضي إلى الهيئة وكأنّه عقوبة يفقد معها المميزات التي كانت له .  لأنّه لا يخلو من أن يكون القاضي المنتدب للعمل بالهيئة كفؤا أو غير كفء . فإن كان كفؤا فيجب أن يعطى من المميزات ما يستحقه وما يتناسب مع طبيعة عمله وإلا كانت كفاءته وبالا عليه ، وهذا لا يتفق ومنطق الأشياء . وإن لم يكن كفؤا فإن ندبه للعمل بالهيئة مخالف للقانون وللمصلحة  أيضا . 

 (50).

–      

–       المنتدى القضائي

نرى أنه من اللازم النص على انتخاب المنتدى القضائي في صلب قانون السلطة القضائية ،ووجوب انتخاب رئيس واعضاء نادي القضاة من القضاة انفسهم بالاقتراع السري والمباشر  . ،لان المنتدى القضائي لدينا مازال  مصادر ومحظور.

منذ ان عقد المؤتمر الثاني في شهر اغسطس عام 1996م والذي حظره رئيس الجمهورية السابق،  و فرض ان يعدل النظام الاساسي للمنتدى ليكون رئيس المنتدى القضائي ورئيس مجلس الادارة هو رئيس المحكمة العليا.بحكم منصبه وبدون انتخاب .وحرم القضاة من حق انتخاب رئيس واعضاء الهيئة الادارية للمنتدى في اغرب سابقه في التاريخ – كما اعلم – والى الان والمنتدى في موت سريري كون رئيس المجلس الاعلى للقضاء جمع بين الاربع الاخوات رئاسة المجلس والمنتدى والمحكمة العليا والدائرة الدستورية،

 وقام قبل سنوات بإحالة بعض اعضاء النيابة العامة للتحقيق لانهم فكروا في انشاء رابطة قضائية بتهمة انهم حزبيون , ومازال يماطل في دعوة الجمعية العمومية للقضاة في الجمهورية كي تنعقد وتعدل النظام الاساسي وتتمكن من انتخاب رئيس للمنتدى وهيئة ادارية،.وانه بإصراره على عدم تمكين القضاة من تكوين نقابتهم يحمل الدولة المسئولية لإخلالها  بالتزاماتها الدولية المنصوص عليها في مبادئ استقلال السلطة القضائية الذي اقرتها الامم المتحدة في  المؤتمر السابع  لمنع الجريمة  المنعقد في مدينة ميلانو الايطالية والتي سبق تفصيلها في ما سلف ، والتي ينص البند رقم  تسعة من تلك المبادئ.(على ان تكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة او غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي ،وفي الانظام اليه(5 1).

ان الاصرار على مصادرة حق القضاة في انتخاب رئيس واعضاء المنتدى القضائي يفتح الباب على مصراعيه لحزبنه وتسييس القضاء والسيطرة عليه من قبل الذئاب الذين يخافون على مصالحهم ومنهوبتاهم التي ستتضرر حتما اذا وجد القضاء المستقل والنزيه.

موازنة السلطة القضائية

إن الميزانيات المحدودة تؤدي حتماً  الى ظروف عمل غير ملائمة ،مما يعرض هيئة القضاء للخطر ويعوق قدرة القضاة على توفير الامان المطلوب من أجل صد محاولة ارهابهم.

لذا تعتبر كفاءة القضاة وسلوكهم ، وكذلك سلوك الجمهور تجاه القضاء ،والتي تعتمد جميعها على توفر ميزانية ملائمة ،من العناصر الأساسية في بناء استقلال القضاء (52)،

إن تقسيم الميزانية المخصصة للقضاء اليمنى على ضئالتها ،منتقد ،اذ انه لا توجد عدالة في توزيع الموارد داخل الهيئة القضائية وتفتقد عملية التوزيع للشفافية وتستغل لمعاقبة محاكم الدرجة الاولى العادية ،التي لا تتبع تعليمات الرؤساء ،اذ ان السلطة التنفيذية تتحكم عن طريق ممثلها "وزير العدل "في توزيع الميزانية بين المحاكم الاستئنافية والابتدائية ،ودائما  يتم تمييز المحاكم الاستثنائية "المسماة  بالمتخصصة " بمخصصات وموازنات كبيرة ويكون لرؤسائها امتيازات مثل السيارة ومبان جيدة ومكاتب حديثة وظروف عمل جيدة ، وتزويدها بالوسائل الحديثة مثل الربط الشبكي والحواسيب وتوظيف متخصصين بطباعة الاحكام ،رغم انها في عواصم المدن ولأتصل القضايا التي تنظرها الى عشر ما يعرض على المحاكم العادية ،في حين تحرم المحاكم  التي تقع في المناطق النائية من ابسط المقومات وموازناتها ضعفيه جداً ،وهذا التمييز غرضه استمالة قضاة تلك المحاكم لحماية مصالح مراكز النفوذ والفساد المتحكمين في عملية صنع القرار ،

،كما  ان المحكمة العليا تستأثر بنصيب وافرمن الموازنة  حيث يتم مكافئة اعضائها وتمييزهم عن قضاة محاكم الدرجة الاولى ،حيث يصرف لهم مبلغ مقطوع سنوي كتأمين صحي وسيارات تجدد لهم كل فترة ومكافئات وحوافز على كل قضية ينجزونها، اضف الى ذلك انعدام الوضوح والشفافية في تصريف موازنة السلطة القضائية، فلا نعلم كيف يتم تقسيم الميزانية داخل السلطة القضائية .ولماذا تضخم مجلس القضاء وموظفيه بحيث صار يضاهي قطاعات الدولة الاخرى ويصرف لأعضائه حقوقاً ومزايا من اكثر من جهة في عمليات فساد واضحة، ويحرم القضاة العاملون في الميدان من ادنى الحقوق، وغير خاف أن  السفريات والمؤتمرات الدولية والدورات محصورة على بعض ذوي الحظوة  من القضاة ومحروم منها الباقون ،

ولماذا؟ يحرم من تلك الامتيازات  الذي يحظى بها قضاة المحكمة العليا ،بقية القضاة في محاكم الدرجة الاولى فمرتب القاضي في محاكم الدرجات الاولى بعد اعتماد البدلات الاخيرة لا يزيد عن الف ومائة دولار اقل من نظرائهم في جميع دول العالم الثالث حيث ان راتب القاضي المبتدأ في جمهوريات الموز "أمريكا اللاتينية " يزيد عن 1500 دولار، كما ان محاكم الدرجة الاولى تعاني من قلة الورق والاقلام ،ويعمل القضاة في محاكم الدرجة الاولى في مكاتب غير ملائمة وغير مجهزة بالأجهزة اللازمة ،وفي مباني متهدمة  يقع منها دهان الحائط ووضع مباني ا لمحاكم سيئة للغاية إذ أنها مسـتأجرة وغير معدة اصلا بما يليق بالقضاء ،حيث يصل الامر احيانا أن يكون المقر عبارة عن غرفة أو دكان ويكون في نفس الوقت سكن للقاضي. كما انه لا تتوفر المراجع القانونية المهنية اللازمة …ومعظم القضاة لا تتوفر لهم مكاتب خاصة ويشترك في المكتب الواحد اعداد قد تصل الى سته اشخاص، وتسعون في المائة لا يتوفر لهم كمبيوتر ،

ان المستويات المتدنية للميزانيات التي توفرها الدولة تجبر القضاة بالمحاكم على البحث عن موارد إضافية سيما في المحافظات الساحلية حيث تبحث عن مساعدات للحصول على الاساسيات مثل الكهرباء والتلفونات واصلاح المباني…الخ

ونرى ضرورة تعديل التشريعات المتعلقة برسوم الدعاوى واي رسوم تتقاضاها المحاكم بحيث تخصص الاموال الناتجة عن عمل القضاء للمحاكم لتكون بديلاً يضيف إلى موارده بدلاً من ان تذهب الى المجالس المحلية كما هو معمول به في بلادنا ،وتقدم الولايات المتحدة الامريكية نموذجا لهذه العملية حيث حصلت المحاكم على موافقة تشريعية  يخول لهافرض رسوم على الواردين على المحكمة مثل رسوم الدعاوى ،والسماح لها بالحصول على ارباح على ودائع المحكمة لتضاف الى ميزانية الهيئة القضائية

والسماح بأن تضاف مبالغ الجزاءات والغرامات التي توقعها المحكمة إلى ميزانيتها (53).

ولابد من مساعدة الهيئة القضائية على تنمية قدراتها الإدارية وتتعلم كيفية التخطيط لعملها خلال فترة معقوله من الوقت ،وتحديد احتياجاتها المالية, وكذلك وضع ميزانيات مسئولة وان تتحول ميزانية السلطة القضائية الى ميزانية محاكم بحيث تضطلع الهيئة القضائية على تقديم احتياجاتها المالية بشكل جيد ومتكامل يعزز من امكانية حصولها على الموارد المطلوبة .

وتعيين اداري متخصص في كل محكمة ليقوم بالأعمال المحاسبية الادارية في ظل نظام قائم على الشفافية  والمحاسبة والمسئولية ،

ولابد من تشييد مبان للمحاكم عبر توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتشييد المباني حيث ان انشاء المباني للمحاكم هو من واجبات الدولة وركن اساسي من مكونات القضاء وصحة احكامه ،

التعليم القانوني في الجامعة والمعهد العالي للقضاء:

وفي الاخير لابد من اعادة النظر في مدخلات القضاء عبر تحديث وتطوير مناهج التعليم في كليات الحقوق والمعهد العالي للقضاء، ورفدهم بااحدث المناهج واساليب وطرائق التعليم الحديثة، والجمع بين الدراسة النظرية والتطبيقية ،لان مناهج التعليم السائدة تقليدية وموغلة في الماضي ومتخلفة ولأتراكم وعي الدارسين وتصقل قدراتهم وتنمي لديهم التفكير العلمي النقدي التحليلي ،

اذ ان التعليم والتدريب غير كافي ويعد احد العقبات الخطيرة في سبيل تنمية هيئة قضائية ،تتمتع بالاستقلالية الحقيقية كما ان الملاحظ غياب او تغييب ثقافة حقوق الانسان عن الدارسين في المعهد العالي للقضاء وكليات الحقوق ،فدارسي المعهد لا يوجد من ضمن المقررات الدراسية عليهم اي مقرر دراسي يعنى بتدريس الشرعة الدولية الخاصة بحقوق الانسان ومعايير المحاكمة العادلة المقرة دولياً ولاتدرس المبادئ الاساسية لاستقلال القضاء الصادر عن الامم المتحدة ولايعرفها الدارس الا اذا كان حسن الحظ او مجتهد مثابر لان المعهد يتعمد تغييبها عن الدارسين،

كما انه لابد من تعديل قانون المعهد العالي للقضاء بحيث يتحرر من التبعية لوزارة العدل ويكون تابعاً لمجلس القضاء الاعلى ،ولابد من سيادة الشفافية والوضوح في اجراءات قبول والحاق الدارسين بالمعهد ونشر قائمة بجميع المتقدمين للإتحاف بالمعهد ونشر إجراءات التقييم والمفاضلة بين المتقدمين بمشاركة المجتمع المدني  ونشر ذلك على شاشات التلفزيون لاطلاع الجمهور .

خاتمة:-

وما نريد أن نستخلصه في الختام ، هو أن اليمن بحاجة إلى ولوج عهد جديد، تكون ميزته إقامة ديمقراطية حقيقية، لا تنحصر في ترديد مجموعة من الشعارات، وكتابة بعض المبادئ في الدستور، وإقامة واجهات شكلية، وإنما ديمقراطية تتبلور من خلالها سيادة الشعب، ودولة المؤسسات التي تكون فيها السلطة القضائية مستقلة وبعيدة عن أي تأثير، لتضطلع بدورها كضامنٍ أساسي لاحترام حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية والجماعية، وإقامة العدل في المجتمع، في ظل المساواة وسيادة مبدا حكم القانون .

إن اليمن بحاجة إلى طي مرحلة الانتقال التي امتدت سنوات طويلة وولوج عهد سيادة القانون ، وفق قواعده الجوهرية ، ومقوماته الأساسية المتعارف عليها، و أهمها الفصل بين السلطات ، واستقلال ونزاهة السلطة القضائية، واحترام سيادة القانون؛ وبذلك ستتمكن اليمن من تدارك ما ضاع من الزمن، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وربح رهان التنمية الشاملة والمستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى